حكايته لطرف من المثل المضروب، أي: أآلهتنا خير أم عيسى؟ يعنون أن الظاهر عندك أن عيسى خير من آلهتنا، فحيث كان عيسى في النار فلا بأس أن نكون مع آلهتنا فيها ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا﴾ أي: ما ضربوه لك - هذا المثل - إلا لأَجل الجدل والخصام والغلبة في القول لا لطلب الحق حتى يذعنوا له عند ظهوره، وفي ذلك إبطال لباطلهم إجمالًا. اكتفاءً بما فصل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ … الآية، ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ أي: لُدٌّ شداد الخصومة، مجبولون على المكابرة وحب المغالبة بحق أو بباطل ولو تأمل ابن الزِّبعرى الآية ما اعترض عليها لأنه تعالى قال: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ولم يقل ومن تعبدون؛ لأنه أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقل، ولم يرد المسيح ومن عُبد مثله كعزير والملائكة.
أي: ما عيسى بن مريم إلا عبد كسائر العبيد، أنعمنا عليه بالنبوّة، فهو رفيع المنزلة على المكانة، ولكنه لا يستحق أن يكون معبودًا لكونه عبدًا من عباده تعالى، ولم يكن إلها أو ابن إله كما زعمت النصارى ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: أمرا عجيبا حقيقا بأن يسير ذكره كالأمثال السائرة حيث كان آية يستدل بها على قدرة الله تعالى، فإنه كان من غير أب ثم جعل الله له من المعجزات إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك مما لم يجعل لغيره في زمنه مما حمل بعض الناس على الافتتان به، والحق أنه بشر جعله الله دليلًا على قدرة الله تعالى شأنه، حيث وجد من غير أب وهو بشر وكان مثلا لبنى إسرائيل يستدلون به على قدرة خالقه.