يقتضي ترقب عذابهم، والمعنى: فانتظر أَيها النبي عذابهم يوم تأتي السماءُ بجدب ومجاعة، فإن الجائع جدا يرى بينه وبين السماءِ كهيئة الدخان، وهي ظلمة تعرض للبصر لضعفه، فيتوهم ذلك، فهو كناية عنه، وفسر أَبو عبيدة الدخان به، وبعض العرب تسمى الشر الغالب دخانا، ووجه ذلك أَن الدخان مما يتأَذى منه فأُطلق على كل مؤذ.
وسبب نزول الآية: أَن قريشا لما استعصت على الرسول ﷺ وأبى أكثرهم الإسلام. دعا عليهم فقال:"اللهم أَعِنى عليهم بسبع كسبع يوسف". فأَصابهم قحط شديد وبلاءٌ حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام. وكنى عنه بالدخان لِمَا تقدم بيانه، وكلما اشتد الجدب اشتد الدخان تكاثفًا. فكان الرجل يحدث الرجل فيسمعه ولا يراه وذلك قوله - سبحانه -: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ أي: يضمهم ويحيط بهم. وقيل: هو يوم فتح مكة كما في البحر عن عبد الرحمن الأعرج أَنه قال: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ﴾ هو يوم فتح مكة، ويُروى عن أبي هريرة أَنه قال: كان يوم فتح مكة دخان وهو قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ وقال الآلوسي: يحسن على هذا القول أن يكون كناية عما حلَّ بأَهل مكة في ذلك اليوم من الخوف والذل ونحوهما، وقيل: إنه دخان يأْتي من السماء قبل يوم القيامة، وهو شَرَط من أشراطها. قاله عليّ - كرم الله وجهه - وابن عمر وابن عباس وغيرهم ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: يقول الله لهم ذلك تهويلا وتقريعا. وقيل: إن الناس هم القائلون لذلك حينما يرون الدخان، أَي: أَنه عذاب شديد الأَلم بالغ الأَثر. والإِشارة بهذا للدلالة على قرب الوقوع وتحققه.
الآية - كما صرح به غير واحد من المفسرين - وعد منهم بالإيمان إن كشف عنهم - جل وعلا - العذاب، وكأَنهم قالوا: ربنا إِن كشفت عنا العذاب آمنا. ولكنهم عدلوا عنه إلى ما في النظم الكريم حيث قالوا: ﴿إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ إظهارا لمزيد الرغبة في الإِيمان. كما في بعض الروايات أَنه لما اشتد القحط بقريش مشى أَبو سفيان ومعه نفر إلى رسول الله ﷺ