يناشدونه الله تعالى والرحم، وواعدوه إن دعا لهم وزال عنهم ما بهم أَن يؤْمنوا، وذلك قولهم: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ وهذا قول ابن عباس وابن مسعود ﵄ وبه أخذ مجاهد ومقاتل وهو اختيار الفراء والزجاج.
رد لكلامهم بنفى صدقهم في الوعد بالإيمان. حيث إن غرضهم هو كشف العذاب عنهم والخلاص منه فحسب، أَي: من أَين لهم التذكر والاتعاظ والوفاءُ بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم ﴿وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ أي: والحال أَنهم شاهدوا من دواعى التذكر، وموجبات الاتعاظ ما هو أعظم وأَدخل في الادكار من كشف العذاب، حيث جاءَهم رسول بَيِّن الرسالة مؤَيد بالآيات الواضحة. والمعجزات القاهرة التي تخر لها صم الجبال، لبيان مناهج الحق وشواهد التوحيد، ومع هذا لم يؤْمنوا به بل كذبوه ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ أي: ثم انصرفوا عن ذلك الرسول المؤَيد من الله وظلوا كافرين بعد ما شاهدوا منه ما شاهدوه من العظائم الموجبة للإقبال عليه، والتعبير بثم للاستبعاد أو التراخى الرُّتْبى، ولم يكفهم التولى عنه، والإعراض عن اتباعه، بل بهتوه ﴿وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ يعلمه غلام أعجمى لبعض ثقيف، كما قالوا عنه: مجنون لا يعى ما يقول، فهل يتوقع من قوم هذه طبيعتهم أن يتأثروا بالعظة والتذكير؟!.
والمعنى: أَننا نكشف عنكم العذاب كشفا قليلًا، أَو زمانا قليلًا، لأَنكم عائدون إلى ما كنتم عليه من العتو والثبات على الكفر، وقد تحقق كلاهما حيث كشف الله عنهم العذاب بدعاءِ النبي ﷺ، فما لبثوا أن عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، ومن قال إن الدخان يكون قبل يوم القيامة وهو شَرَط من أَشراطها قال بإمكان الكشف وعدم انقطاع التكليف.