أما ما رواه الشيخان من أن النبي ﷺ قال:"لا تُفضِّلوني على الأنبياء .. " فإن ذلك من باب تواضعه ﷺ، وأن الأنبياء إخوة في الرسالة، والأخ لا يُفَضِّلُ نفسه على أخيه، ولأن اللجاج والخصام في هذا التفضيل قد يقود المتخاصمين إلى النيل من بعض الأنبياء، وفي هذا كفر صريح.
ومردُّ التفضيل - بعد هذا كله - إل الله وحده.
ومع أن الإجماع منعقد على أفضلية محمد ﷺ فمن الواجب على المسلمين: ألَّا يخوضوا في الجدال حول تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، تمسكًا بآداب القرآن.
أعطينا عيسى بن مريم ﵇ الآيات الواضحة الدالة على نبوته. وهي: المعجزات التي أجراها الله على يديه: كإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله - تعالى - وقوَّاه الله كذلك على دفع أذى أعدائه بروح القدس. وهو جبريل ﵇ قال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ … ﴾ (١).
وإضافة الروح إلى القدس من إضافة الموصوف إلى صفته، أي الروح المطهر.
ولما كانت هذه الآية واردة عقب قصة بني إسرائيل مع طالوت، ومخالفتهم لأمره - خص الله عيسى بالذكر من بين الرسل، بالتنبيه على بعض معجزاته، للرد عليهم إذ كذبوه ووصفوه وأمه بأوصاف فيها بهتان عظيم. كما قال تعالى: " ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ (٢).
ولما كان جوهر الديانات السماوية واحدًا، وهدفها واحدًا، فلذا كان الواجب على أتباع كل رسول: أن يؤمنوا بالرسول الذي جاء بعده، وألا يختلفوا معه ولا مع أتباعه. ولكنهم تفرقوا واختلفوا، واقتتلوا، من بعد ما جاءتهم البينات، والآيات المؤيدة لرسالته. ولو أراد الله