منَّ به على عباده، ليشكروه على ما به أَنعم، وليتفكَّروا في بديع صُنْعه، وعظيم قُدرته فقال - سبحانه -: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ … ﴾ إلخ.
والمعنى: الله وحده - لا شريك له - هو الَّذى ذلَّل لكم البحر وهيأَه وأَعده سائلا يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب، لِتَسير السفن فيه مَاخِرَة عُبَابه، حاملة النَّاس وأَرزاقهم ومتاعهم بأمره - سبحانه - وإذنه، ولتطلبوا من فضله من خيرات البحر ومنافعه بالتّجارة والصيد واستخراج المعادن، ولكى تشكروه على حصول المنافع المجلوبة لكم من الأَقاليم النَّائية، فتُخْلِصُوا له الدين والعبادة.
أي: وذلَّل لكم ما في السموات من شمس وقمر ونجوم لتنتفعوا بحرارتها وضوئِها، وسخر لكم ما في الأرض من دابة وشجر وزرع وبحار وأَنهار وغيرها من جميع ما تنتفعون به ويُسَهِّل لكم سُبُل الحياة، هذه الأَشياء وغيرها كائنة منه، وحاصلة من عنده، فهو مُكَوِّنها ومُوجِدها بقدرته وحكمته ثم سخَّرها لخلقه.
إنَّ فيما ذُكر من نِعَمٍ لآيات عظيمة الشأْن كثيرة العدد لقوم يتفكَّرون ويتدبرون في بدائع صنعه تعالى وعظائم شئونه - جلَّ شأْنه - فإنَّ ذلك يدعوهم إلى الإيمان به والشُّكر له.
حكى النَّحاس والمهدوى عن ابن عباس أَنَّها نزلت في عمر ﵁ شتمه مُشرك من غفَارٍ (١) بمكة قبل الهجرة فهم أَنْ يَبْطِش به فنزلت، ورُوِى ذلك عن مقاتل، وهذا ظاهر في كونها مكِّية كأخواتها من آيات السورة (ذكر ذلك الآلوسي والزمخشرى).
وقيل: إنَّ النبي ﷺ وأصحابه نزلوا في غزوة بنى المُصطَلِق على بئر يقال لها (المُرَيْسِيع) فأَرسل ابن أُبيٍّ غلامه ليستقى فأَبطأَ عليه، فلما أَتاه قال له: ما حبسك؟