الإنجيل مشتملًا علي كثير من المواعظ، وقليل من التحليل والتحريم. فهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة، أو لأن الجن كانت يهودًا - كما قال عطاء - ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي: أن القرآن مصدق لما تقدمه، وأرادوا به التوراة أو جميع الكتب الإلهية السابقة. ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: أنه يرشد إلى العقائد الصحيحة وإلى طريق مستقيم من الأحكام الفرعية، أو ما يعمها وغيرها من الأركان والقواعد على أنه من ذكر العام بعد الخاص.
يحتمل أنهم أرادوا بداعي الله ما سمعوه من القرآن الذي طلبوا الاستجابة له والإيمان به، ووصفوه بالهداية إلى الحق والصراط المستقيم لتلازمهما.
ويحتمل أنهم أرادوا به محمدًا ﷺ حيث دعاهم إلى الله وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين - الإنس والجن - وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم وهي سورة الرحمن فطلبوا الاستجابة له والإيمان به، وهذا يدل على أنه كان مبعوثًا إلى الجن والإنس، قال مقاتل: لم يبعث الله نبيًّا إلى الجن والإنس قبل محمد ﷺ ويؤيد هذا ما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ: "أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود إلى آخر الحديث" قاله مجاهد: الأحمر والأسود: الجن والإنس، وفي رواية من حديث أبي هريرة:"بعثت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ أي: يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو الذنوب السالفة، وقيد الخطاب معهم بما يدل على التبعيض دفعًا لتوهمهم أنهم إذا أجابوا داعي الله - تعالى - وآمنوا به يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، وقال أبو السعود: أي: بعض ذنوبكم وهو ما كان في خالص حق الله تعالى؛ فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان.