﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ مُعَدٍّ للكفرة، ويدل هذا على أن الجن مكلفون، واختلف في أن لهم أجرًا غير غفران الذنوب والإجارة من العذاب الأليم أولا، والأظهر أنهم في حكم بني آدم ثوابًا وعقابًا، قال ابن عباس: لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها. وقال الآخرون: إنهم كما يعاقبون في الإساءة يجازون في الإحسان مثل الإنس، وإليه ذهب مالك والشافعي وابن أبي ليلى وغيرهم، وقال الضحاك: يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون لقوله تعالى: ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان﴾ (١) ولعل الاقتصار على ما ذكر من غفران الذنوب لهم والإجارة من العذاب الأليم؛ لأن المقام مقام إنذار، فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب، وقيل: لا ثواب لمطيعهم إلا النجاة من النار قال الحسن: ليس لمؤمني الجن ثواب غير نجاتهم من النار، فيقال لهم: كونوا ترابًا فيكونون ترابًا، وبه قال أبو حنيفة، وعلق القشيري على هذا الخلاف فقال: والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشيء والعلم عند الله، على أن ما ذكر من الجزاء على الإيمان بتكفير الذنوب والإجارة من العذاب يستلزم دخول الجنة؛ لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار، فمن أجير من النار دخل الجنة لا محالة.
إيجاب للإجابة بطريق الترهيب بعد إيجابها بطريق الترغيب، أي: ومن لا يؤمن بالله استجابة لداعيه، فإنه لا يفوت الله طلبًا، ولا يعجزه هربًا، لبالغ قدرته وعظيم سلطانه، وقد نجح هذا الأُسلوب في كثير منهم، فجاءوا إلى رسول الله يبتغون سبيل الهدى والرشاد، وتقييد الإعجاز بكونه في الأرض لتوسيع الدائرة، بمعنى أنه ليس بمعجز - له تعالى - بالهرب وإن هرب كل مهرب من أقطارها أو دخل في أعماقها. ﴿وليس له من دونه أولياء﴾ إبراز لاستحالة نجاته بمعاونة أنصار يمنعونه من عذاب الله بعد بيان استحالة نجاته بنفسه، وعاد الضمير مفردًا في قوله - تعالى -: ﴿وليس له﴾ باعتبار لفظ ﴿من﴾ والمراد به الجمع، ويؤيد ذلك قراءة ابن عامر: ﴿وليس لهم﴾ بضمير الجمع ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: أولئك الموصوفون