الله - تعالى -: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ ذكر ذلك الآلوسي.
ويقول القرطبي: وليس في تفسير المن والفداء منع من غيره مع الأسرى، فقد بين الله في الزنى حكم الجلد، وبين الرسول حكم الرجم، ولهذا اختلف العلماء في حكم الأسارى، فذهب الأكثرون إلى أن الإمام بالخيار إن شاء قتلهم إن لم يسلموا؛ لأن النبي ﷺ قتل - صبرا - عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدى والنضر بن الحارث؛ لأن في قتلهم حسمًا لمادة فسادهم بالكلية، وليس لواحد من الغزاة أن يقتل أسيرا بنفسه فذلك من حق الإمام، ما لم يتوقع شرًّا منه، وإن شاء الإِمام استرقهم؛ لأن فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لأهل الإِسلام، وإن شاء تركهم أهل ذمة كما فعل ذلك عمر مع أهل السواد إلاَّ أسارى مشركى العرب والمرتدين فإنه لا تقبل منهم جزية ولا يجوز استرقاقهم، والحكم فيهم إما الإسلام أو السيف، وعن سعيد بن جبير: لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله - تعالى -: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ (١) فإذا وقع بعد ذلك أسر فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل وغيره، وتفصيل هذه الأحكام تكفل بها الفقهاء. ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ أي: آلاتها وأثقالها من السلاح وغيره مما لا تقوم الحرب إلاَّ به، وإسناد وضع الأوزار إليها - وهو لأهلها - إسناد مجازى، والمراد من هذا الرأى أن هؤلا الكافرين يصلون حتى تنتهى الحرب، فيكون بعدها إما الأسر وإما الفداء، وتستمر الأحكام السابقة جارية فيهم إلى أن يظهر الإِسلام على الدين كله، ولا يبقى للمشركين شوكة بهزيمتهم أو بالموادعة وإلقاء السلاح، أو حتى يترك المشركون شركم ومعاصيهم ويسلموا. (ذلك) أي: ذلك حكم الكفار، أو: افعلوا ذلك، وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام. ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ﴾ بغير قتال، بأن يهلكهم بخسف ونحوه كرجفة وغرق وريح صرصر عاتية، وقال ابن عباس: ولو يشاء لأهلكهم بجند من الملائكة.