﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ أي: ولكن أمركم بالقتال ليبلو المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم، فينالوا الثواب العظيم، ويُخلَّد في صحف الدهر ما لهم من الفضل الكبير، وليبلو الكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم ﷿ ببعض انتقامه، فيتعظ به بعض منهم ويكون سببا لإسلامه. ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي: والذين استشهدوا في قتال المشركين، فلن يضيع الله ثواب أعمالهم، وهم عنده ﷿ أحياء ينعمون برزق دائم، ونعيم مقيم، فرحين بما آتاهم ربهم من فضله.
قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله ﷺ في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون: اعْلُ هبل، ونادى المسلمون: الله أعلى وأجل، وقال المشركون: يوم أحد بيوم بدر والحرب سجال، فقال النبي ﷺ:"قولوا: لا سواء؛ قتلانا أحياء عند ربهم يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون. فقال المشركون: إن لنا العزى ولا عزى لكم، فقال المسلمون: الله مولانا ولا مولى لكم.
﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ المراد: هداية هؤلاء الشهداء إلى الجنة بإرشادهم إلى مسالكها والطرق المفضية إليها ليصلوا إلى ثواب أعمالهم من النعيم الخالد والفوز الدائم والفضل العظيم، أو سيحقق الهداية لمن بقى منهم بصونهم عمَّا يورث الضلال ويحبط الأعمال، وكما أنه ﷾ تكفل بأنه سيهديهم فقد تكفل كذلك بأن يصلح بالهم، أي: شأنهم، قال الطبرسى: المراد إصلاح ذلك في العقبى. ولا تكرار لذلك مع قوله - سبحانه -: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ لأن المراد به هناك إصلاح شأنهم في الدين والدنيا، فاختلف المراد.
أي: إذا دخلوها يقال لهم: تفرقوا إلى منازلكم التي حددت لكم، وهديتم إليها، أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه قال: يهدى أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم كأنهم ساكنوها منذ خلقوا، لا يستدلون عليها أحدا، وفي الحديث: "لأحَدُكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا" وذلك إلهامٌ منه ﷿ أو طيبها لهم بأنواع الملاذ