فيما ذكرت ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا. وذهب جماعة إلى أن المراد بالفتح الوارد في السورة فتح مكة وهو- كما في زاد المعاد -. الفتح الأعظم الذي أعزّ الله به دينه، واستنقذ به بلده وطهّر حرمه، واستبشر به أهل السماء، ودخل الناس بعده في دين الله أفواجًا، وأشرق وجه الأرض به ضياء وابتهاجًا.
وعلى هذا الرأى ففي مجئ المستقبل بصيغة الماضى في قوله - تعالى -: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ تنزيله منزلة المحقق، وفيه من الفخامة والدلالة على علوّ شأن المخبر ما لا يخفى - كما في الكشّاف - وذلك - على ما قيل - لأنه يدل على أنَّ الأزمنة كلها عند الله على السواء وأن منتظره كمحقَّق غيره، وأنه - سبحانه - إذا أراد أمرا تحقق لا محالة، وأنه - لجلالة شأنه - إذا أخبر عن حادث فهو كالكائن لما عنده من الأسباب القريبة والبعيدة.
ولم يذكر المفعول للقصد إلى نفس الفعل والإيذان بأنَّ مناط التبشير نفس الفتح الصادر عنه - سبحانه - لا خصوصية المفتوح، وذكر لفظ (لك) في الآية لبيان مقام الرسول الرفيع عند الله ﷿.
﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ أي: ليغفر لك الله ما تقدم وما تأخر مما يعد ذنبا لمثلك، فهو من قبيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. أو ليغفر لك ما هو ذنب في نظرك، وإن لم يكن ذنبا ولا خلاف الأولى عنده - تعالى - كما ترشد إلى ذلك الإضافة في لفظة (ذنبك) وقد صح أنه ﷺ لما نزلت صام وصلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال:"أفلا أكون عبدًا شكورا" ﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ أي: ويكمّل نعمته عليك بإعلاء الدين وانتشاره في البلاد، وغير ذلك مما أفاضه الله - تعالى - عليه من النعم الدينية والدنيوية بعد الفتح.