﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ أي: ويرشدك إلى الطريق المستقيم في تبليغ الرسالة وإقامة الحدود وبما يُشَرِّعه الله لك من الشرع العظيم والدين القويم.
وهذا وإن كان حاصلا قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتِّضاح سبل الحق واستقامة مناهجه ما لم يكن حاصلا من قبل.
﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ أي: وينصرك الله على أعداء الرّسالة والكافرين بالدعوة والمحاربين لها نصرا يعز وجود مثله ويصعب مناله ويرفع في قدرك وذلك بسبب تواضعك وشدة خضوعك لأمر الله ﷿ كما جاء في الحديث الصحيح: "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله ﷿ إلا رفعه الله، قال الآلوسي: وفي الكشاف: لم يجعل الفتح علَّة للمغفرة، لكن لاجتماع ما عدّد من الأمور الأربعة وهي:
١ - المغفرة.
٢ - وإتمام النعمة.
٣ - وهداية الصراط المستقيم.
٤ - والنَّصر العزيز كأنه قيل: يَسّرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عزّ الدارين وأغراض العاجل والآجل.
وحاصله أن الفتح علة لمجموع المتعاطفات، لا لكل واحدة منها على حدة.
وقال الصدر: أظهر الاسم الجليل في الصّدر في قوله - تعالى -: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ وهنا في قوله: ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ﴾؛ لأن المغفرة تتعلق بالآخرة والنصر يتعلق بالدنيا فكأنه أُشير بإسناد المغفرة والنَّصر إلى صريح اسمه - تعالى - إلى أن الله ﷿ هو الذي يتولى أمرك في الدنيا والآخرة، وقال الإِمام: أُظهرت الجلالة في قوله: ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ﴾ إشارة إلي أن النَّصر لا يكون إلا من عند الله، كما قال - تعالى -: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ (١).