أخرج بن جرير وجماعة عن أنس قال: أنزلت على النبي ﷺ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ في مرجعه من الحديبية، فقال:"لقد أُنزلت عليّ آية هي أحب إليّ مما على الأرض" ثم قرأها عليهم، فقالوا: هنيئًا مريئا يا رسول الله، قد بيّن الله - تعالى - ذلك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .... ) حتى بلغ ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ آلوسى.
وهذه الآية وما بعدها علَّة لما دلّ عليه قوله - تعالى -: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ من التصرف والتدبير أي: دبّر ﷾ ما دبر من تسليط المؤمنين ونصرهم على الكافرين، ليعرفوا نعمة الله في ذلك ويشكروها، فيدخلهم ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار دائمين فيها باقين أبدا، ويمحو عنهم سيئاتهم ولا يؤاخذ عليها بل يعفو ويرحم ويصفح ويغفر، وكان ذلك الجزاء عند الله فوزا بالغ العظم؛ لأنه منتهى ما تصبو إليه النفوس، وتهوى الأفئدة.
وذكر المؤمنات في الآية بعد المؤمنين دفعا لتوهم اختصاص الحكم بالذكور، لأن الجهاد والفتح على أيديهم، وهكذا في كل موضع يوهم الاختصاص يصرِّح بذكر النساء.
وتقديم الإدخال في الذكر على التكفير - مع أن الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة إلي بيان ما هو المطلوب الأعلى، قال الآلوسي: ويجوز عندي أن يكون التكفير في الجنة، على أنَّ المعنى: يُدخلهم الجنة ويُغطى سيئاتهم ويسترها عنهم فلا تمرّ لهم ببال ولا يذكرونها أصلًا؛ لئلا يخجلوا فيتكدر صفو عيشهم.