﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ أي: لا يقدر أحد أن يردّ ما أراده الله فيكم ويدفع عنكم قضاءه إن أراد بكم ما يضركم أو أراد بكم ما ينفعكم، وليس الشُّغُل بالأهل والمال عذرا، فلا ذاك يدفع الضرر إن أراده ﷿ ولا محاربة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعا، ثم أعقب ذلك بما يتضمن تهديدا لهم فقال: ﴿بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ أي: بل كان الله بكل ما تعملون محيطا، فيعلم - سبحانه - سر تخلُّفكم وقصدكم فيه، ويجازيكم عليه يوم القيامة، ثم هتك الله سترهم وبين مكنون ضمائرهم بقوله:
والمعنى: لم يكن الأمر كما تقولون، بل ظننتم أن لن يرجع الرسول والمؤمنون من ذلك السّفر إلى عشائرهم وذوى قرباهم أبدا، فلم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا مقهور بلى تخلُّف نفاق؛ لأنَّكم اعتقدتم أنَّ الرسول ومن معه من المؤمنين سيقتلون وتُستأصل شأفتهم، وتُبَادُ خضراؤهم ولا يرجع منهم أحد، فتخلفتم لذلك، وحسّن لكم الشيطان والنفاق ذلك الظن الخبيث في قلوبكم، حتى تمكَّن منكم وحملكم على ما فعلتم، فاشتغلتم بشأن أنفسكم ومصلحة ذواتكم غير مبالين بالرسول ﷺ وبالمؤمنين. ﴿وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ وهو ظنهم ألاَّ يرجع الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وأعيد لفظ ﴿ظَنَنْتُمْ﴾ لتشديد التوبيخ والتسجيل عليهم بالسّوء، أو هو عام فيشمل ذلك الظنَّ وسائر ظنونهم الفاسدة التي من جملتها الظّن بعدم رسالته ﷺ فإن الجازم بصحتها لا يحوم فكره حول ما ذُكِر من الاستئصال للرسول وأصحابه، وكنتم في علم الله الأزليّ قومًا هالكين، لفساد عقيدتكم وسوء نيّتكم، أو فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم ولا خير فيكم.