قال تعالى: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾:
جعله الله ميتا مائة سنة، ثم ردَّ إليه الروح، فعادت إليه الحياة بعد تلك المدة الطويلة، وقد أعاده إلى الحياة مهيَّأً للتفكير والتدبر، بدليل هذا الحوار، وطلب منه النظر.
ولم تذكر الآية ما حدث لجثته أثناءَ هذه الفترة. أَبُلِيَتْ وتحللت. أم ظلت محتفظة بتكوينها؟
﴿قَالَ﴾ له الله تعالى: ﴿كَمْ لَبِثْتَ﴾؟:
كم مكثت في رقدتك؟ والله يعلم كيف كانت هذه المساءلة. أكانت على لسان ملك جاءَ في صورة بشر، أم كانت على لسان نبي ذلك الزمان، أم كانت إلهامًا نفسيًا، كما حصل لأُم موسى ﵇ أم كان ذلك الرجل نبيًا؟
والسؤَال لم يكن من الله لهذا الرجل مباشرة، لأنه ﷾ يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْيُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ … ﴾ (١). وإنما سأله الله هذا السؤال - وهو عالم بجوابه - ليظهر عجزه التام عن الإحاطة بشئون الله تعالى. بل بشئون نفسه هو، وليبين له قدرته تعالى على إحياءِ خلقه.
وقد أجاب ذلك الرجل:
﴿قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾:
مكثت في رقدتي هذه يومًا أو بعض يوم. ولعله قال ذلك، لأَنه لم يشاهد في نفسه، ولا في طعامه تغيرا، حتى يظن أنه مكث مدة طويلة. ولعله ظن أنه كان نائما فقدر زمنين متقاربين، من المحتمل أن يستغرق الإنسان أحدهما في نومه.
﴿قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾:
أي لم تلبث هذا القدر اليسير الذي ظننته. بل مكثت - ميتا - مائة عام، ليظهر الله لك قدرته على ما سألت.