والفاءُ في قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ﴾ للإفصاح، لأَنها أفصحت عن شرط مقدر … بمعنى: إذا علمت أنك مكثت مائة عام ميتًا، ثم بعثت - فانظر إلى هذه الآيات البينات، وتبصر فيها. وقد أمره الله أن ينظر إلى طعامه وشرابه اللذين كانا معه لزاده - وقد مر عليهما مائة عام - ومازالا صالحين للتناول، لم يلحقهما أي تغيير، مع أن شأنهما المعتاد هو سرعة التغيير والفساد.
وذلك دليل على أن المؤثر هو الله تعالى، لا الأسباب بذاتها، ولذا تخلف تأثيرها في الطعام والشراب، اللذين مكثا مائة عام، لم يتغير فيهما شيءٌ منهما. وهذا هو موضع الاعتبار الأول. وقد أفرد الضمير المستتر في قوله: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ مع أنه راجع إلى الطعام والشراب، لاعتبارهما غذاءً واحدًا، لتلازمهما.
﴿وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾:
وأمره الله أن ينظر إلى حماره، كيف نخرت عظامه، وتفرقت أوصاله. على حين بقى الطعام والشراب على حالهما لم يتغير فيهما شيٌ؟ وذلك هو موضع الاعتبار الثاني، الناطق بقدرة الله على الإحياءِ والبعث.
وقوله تعالى: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾:
معطوف على مقدر يقتضيه المقام. أي: فعلنا ذلك من إحيائك، وحفظ طعامك وشرابك، وبِلَى عظَام حمارك، لتدرك صدق إخبارنا: أنك بقيت ميتًا مائة عام، ولنجعلك - أنت وهذه الأُمور - آية وعلامة يستدل بها الناس الموجودون - وقت بعثك - على عظيم قدرتنا على البعث، وإحياء الموتى. ويستدل على ذلك أيضًا - مَنْ يأتي بعدهم ممن يؤْمن بالوحي السماوي، الذي يروي هذه القصة.