قال الآلوسي: والإتيان بصيغة المضارع ﴿أَعْلَمُ﴾، للدلالة على أن علمه بقدرة الله على كل شيء مستمر، لأَن أَصله لم يتغير. بل تبدل وصفه بالعيان.
فالآلوسي يرى: أن هذا السائل، كان مؤمنا بقدرة ربه على كل شيءٍ. ومن جملته: إحياءُ هذه القرية بعد موتها. وأن المعاينة لم تنشيء عنده علما جديدًا بذلك. ولهذا عبَّر بصيغة المضارع المفيد للاستمرار. وأن الذي تغيّر عنده هو وصف العلم. فبعد أن كان علما ناشئا عن استدلال، انتقل إلى علم ناشيء عن المشاهدة والعيان. فسؤَال هذا الرجل، لا يقتضي أن يكون كافرًا، لأن يقول: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾!
أي كيف يحييها؟ وذلك يشعر بعجزه عن معرفة طريقة إحياء الله تعالى للموتى بعد فناء لحومهم، وبِلَى عظامهم، وأن يبغي معرفة كيفية إحيائها. وذلك لا يدل على أنه كان كافرًا. بل الظاهر أنه مؤمن بالله. فقد نطق باسمه الكريم: فقال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾؟ وإنما سأل عن كيفية الإحياء، ليراها فيزداد يقينًا بقدرة الله على رد الحياة بعد اليأس. على حدِّ قول إبراهيم ﵇ لربه: ﴿ … رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي … ﴾ (١).
ولعل اقتران القصتين، كان من أجل اشتراكهما في هذا الغرض.
أما القول بأنه كان كافرًا، فلا دليل عليه .. بل ما جرى منه في القصة، يبعد أن يجري على لسان الكافر. ففي تحريه الصدق بقوله: ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْبَعْضَ يَوْمٍ﴾. ثم قوله بعد ذلك: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ما يرجح إيمانه.
هذا، ومغزى القصة: أن هذا الرجل تولاه الله، فبين له الرشد من الغي، فاستجاب لهذا التوجيه، وازداد إيمانه، ولم يركب رأسه عنادًا كالكافر المذكور في القصة السابقة.