وقد عرف من الآية والحديث وسبب النزول أن الناس متماثلون في الآدمية، فلا شرف فيهم إلا بتقوى الله ﷿.
واعلم أن الناس أربعة أصناف: صنف خلق من تراب هو آدم ﵇ وصنف خلق من أَب دون أُم وهو حواء؛ فقد خلقت من أَحد أضلاع آدم، وصنف خلق من أُم دون أَب وهو عيسى ﵇ وصنف خلق من أبوين - ذكر وأنثى وهو جميع البشر ما عدا هؤلاء، وقد خلفهم الله على هذا النحو ليعلم الناس قدرة الله على خلق ما يشاءُ كما يشاء.
وعقب الله خلقه للناس من ذكر وأنثى بقوله:(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) والشعوب: جمع شعْب - بفتح وسكون (١).
والشعب: ما تشعبت منه القبائل، فالعرب شعب، وقبائله مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، وقد يطلق الشَّعب على القبيلة العظيمة، قال ابن عباس: الشعوب: الجمهور مثل مضر، والقبائل: الأفخاذ، وقد جعلهم الله كذلك ليتمايزوا ويتعارفوا، كأَن يقول الواحد منهم: أنا من شعب مصر: من قبيلة كذا، فيعرف نسبه.
ولقد جعل الله الشعوب والقبائل تتخذ لها أماكن مستقلة، ليزداد التعارف بين الناس بذكر المكان، وقد كان الناس - عربا أو عجما - عند نزول الآية قبائل متمايزة، ضمن شعوب تعمهم، ولكنهم الآن في معظم الأُمم، قد اختلط بعضهم ببعض، وأصبح التعارف بينهم بالانتماء إلى الأمم، وبيان البلدان التي يعيشون فيها، والمساكن التي يأوون إليها.
وعقب الله هذه الجملة بقوله:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) لبيان أن التقوى هي الأمر المُراعَى عند الله، وليس الحسب والنسب والمال والوظيفة.
(١) أما الشِّعب - بكسر الشين - فهو الطريق إلى الجبل، وجمعه: شعاب.