المتنوعة، والدواب المنبثة، والحشرات المختلفة في برها وبحرها المتعددة الصور والأشكال والحركات والأفعال من الوحشى والإنسيِّ، والنافع والمؤذى - في هذا كله آيات للموقنين الموحدين الذين يلتمسون سبل الهداية والسلوك السوى الموصل إلى المعرفة، فهم ينظرون بعيون باصرة، وأفهام نافذة، كلما رأوا آية عرفوا وجه تأوّلها فازدادوا إيمانًا على إيمانهم.
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) أي: وفي خلقكم آيات ودلائل، أي: وفي حال ابتداء خلقها، وتنقلها من حال إلى حال ما تتحير في تصوّره الأذهان - وحسبك بالقلوب - وما ركب فيها من عقول، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة، وناهيك بما سوّى في الأعضاء من المفاصل فإذا تعطل شيء منها جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الذُّل؛ فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقوله - تعالى -: (أَفَلَا تُبْصِرُونَ): أغفلتم فلا تنظروا في أنفسكم فتبصروا هذا كلَّه بعين البصيرة وتقدروا نفعه لكم، وآثاره في حياتكم فيزداد إيمانكم، ويعظم شكركم.
وهو تعنيف على ترك النظر في الآيات الأرضية والنفسية.
(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) أي: وفي السماء تقدير رزقكم وتعيينه، أو أسباب رزقكم من المطر، والشمس والقمر والمطالع والمغارب التي تختلف بها الفصول فتختلف المحاصيل، وتتنوع الأرزاق.
وذهب غير واحد إلى أَن المراد بالسماء السحاب، وبالرزق المطر، ومعنى قوله - تعالى -: (وَمَا تُوعَدُونَ) أي: الذي توعدونه من خير وشر، وثواب وعقاب، أو جنة ونار لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء.