الثانية: أَن ترتيب النفيين كما تضمنّه النظم الجليل من باب الترقى في بيان غناه ﷿ فكأنه - سبحانه -: لَا أريد منهم رزقًا ولا ما هو دون ذلك من تقديم الطعام.
الثالثة: أنه ﷾ قال: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) دون ما أُريد منهم أَن يرزقون؛ لأن المقصود عين الرزق لا الفعل.
وقال - سبحانه - (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) دون: وما أريد من طعام؛ لأن المقصود نفى الفعل نفسه - وهو تقديم الطعام - والمراد أَن الله - تعالى - غنى عن أَن يقدم عباده له رزقًا أو يقوموا على خدمته.
أي: إن الله هو الرزاق الذي يرزق جميع خلقه - لا غيره سبحانه - وهو ذو القدرة شديد القوة لا يعجز عن شيء، والجملة تعليل لنفى الإرادة فيما تقدم في قوله - تعالى -: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال الإِمام: كون - تعالى - هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق؛ لأن من يطلبه يكون فقيرًا محتاجًا وكونه (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله - سبحانه -: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)؛ لأن من يطلبه يكون عاجزًا لا قوة له، فكأنّه قيل: لا أريد منهم من رزق؛ لأنِّي أنا الرزاق، وما أريد منهم من عمل كالإطعام؛ لأنى قوى متين.
وكان الظَّاهر أن يأتى السياق الكريم (إني أنا الرزاق) كما جاء في قراءة له ﷺ لكن التفت إلى التصريح بالاسم الجليل لبعث الهيبة في النفوس وأنه هو الرازق وحده دون سواه.
أي: إذا ثبت أَن الله - تعالى - ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه وأنه سبحانه ما يريد منهم من رزق إلى آخر ما تقدم، فإن للذين ظلموا أنفسهم باشتغالهم بغير ما خلقوا له من العبادة