فأنزل الله عليه هذه الآية، ليخفف عنه أعباءَه النفسية، ببيان أنه ليس عليه سوى التبليغ. وأَما الاهتداءُ، فمن الله. وأن من أحسن فلنفسه.
والآية متوسطة بين آيات الحث على الإنفاق، مبالغة في حمل المخاطبين على الامتثال. وإلى هذا ذهب الحسن وأبو على الجبائي.
والمعنى: ليس واجبًا عليك يا محمد، أن تجعل هؤلاء المأمورين بتلك المحاسن، المنهيين عن أضدادها - مهتدين إليها عاملين بها فعلًا، فذلك ليس من شأْنك، ولست مكلفًا به، ولكنه شأْن الله الذي يهدي من يشاءُ إلى الخير، وهم أُولئك الذين اتجهوا باختيارهم إليه، فيعينهم ويوفقهم ويهديهم.
واتجه بعض المفسرين إلى أن الضمير في ﴿هُدَاهُمْ﴾ لا يرجع إلى من أُمروا بالنفقة في الآيات السابقة واللاحقة، بل يرجع إلى الكفار، وإن لم يُذْكَروا، مراعاة لسبب النزول.
فقد أخرج ابن أبي حاتم وغيره، عن ابن عباس ﵁، أن النبي ﷺ، كان يأمرنا أَلَّا نتصدق إلى على أهل الإسلام، حتى نزلت هذه الآية.
وأخرج ابن جرير عنه قال: ﴿كان أُناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة. وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم، ويريدونهم أن يسلموا .. فنزلت﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تَصَدَّقُوا إلَّا على أَهْلِ دِينِكم" فأنزل الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾.
والمعنى على هذا الرأي: ليس واجبًا عليك أن تُلْجِيءَ هؤُلاء الكافرين إلى الإسلام، إن عليك إلا البلاغ، وقد فعلت، فلا تجعل التصدق عليهم منوطًا بإسلامهم.
والآية على هذا، لا تعتبر بعيدة عما قبلها وما بعدها من آيات الإنفاق، إذ هي لإباحة الإنفاق على من خالفنا في الدين.