ومعنى ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ﴾ أَي: لا يكونوا مثل أَهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين أُوتوا الكتاب قبلهم، وكان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم، وإذا سمعوا التوراة والِإنجيل خشعوا منه ورقت قلوبهم فطال عليهم الأجل وبعد العهد بينهم وبين أنبيائهم أَو طالت أعمارهم، ولم يعاجلهم الجزاء، فاغتروا وقست قلوبهم، وتحجرت وزال خشوعها وفشا فيهم الفساد فساءت أعمالهم، واستمرءوا المعصية، وغلب عليهم الشر فكثير منهم فاسقون خارجون على دينهم رافضون لما في كتبهم.
نعت الآية السابقة على بعض المؤمنين فتورهم في العبادة، وعابت عليهم استهواء النعم لهم، وانصرافهم إلى الترف والنعيم، وجاءت هذه الآية تطمعهم في الرجاء، وتفتح لهم باب القبول، ومداخل الرحمة حتى لا يتملكهم يأْس، ولا يستولى عليهم قنوط، ويعودوا لما كانوا عليه من النشاط في العبادة، والهمة في الطاعة والحماس للدعوة، وجرى فيها الأُسلوب مجرى التمثيل لإبراز القدرة في أَكمل صورة، وعرضها في أوضح بيان حيث شبهت تليين القلوب الغليظة وإنارتها بالإيمان والذكر وتلاوة القرآن بعد الكفر والجحود والظلمة والوحشة - شبهتها - بإحياء الأرض بعد الغيث بالنبات وخصبها بالزرع والخضرة ونبض الحياة بعد الجدب والقفر والعفاء، وهذا كله ترغيب في الخشوع والخشية، تحذير من القسوة والغلظة.
والآية خطاب عام يتلقاه كل راغب في الهداية، طامع في الرحمة من الذين أشارت إليهم الآية السابقة ومن غيرهم بيانًا لمزيد فضل الله، وواسع رحمته.
والمعنى: اعلموا معاشر المؤمنين أَن قدرة الله فوق كل القدر، وأَن فضل الله عظيم على عباده يهبط على القلوب فيوجهها إِلى الهداية، ويحييها بالإيمان، ويوفقها للطاعة بالذكر والتلاوة، كما يحيى بالغيث الأَرض الجدبة فتؤتى ثمرها من النبات والزرع، وتصبح ندية خضراء بعد أَن كانت مقفرة جدباء.