الزراع بهجة بها، ويغمرهم الفرح والبشر بمظهرها ونضارتها، ثم لا تلبث أَن تجف بعد النداوة، وتصفر بعد الخضرة، ثم تصير هشيمًا جافًّا وحُطامًا متكسرًا.
وإذا صح أن يتفاخر أو يتكاثر أهل المعاصي بالأنساب والجاه، أو الأَموال والرجال فإن تفاخر المؤمنين ينبغي أَن يكون بالتواضع، والطاعة، وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ"إنَّ اللهَ أوحَى إليَّ أَن تَواضَعوا حتى لا يبْغِيَ أحدٌ على أَحد، ولا يَفْخَر أحدٌ على أَحد".
وبعد أَن بينت الآية حقارة أمر الدنيا تزهيدًا فيها، وتنفيرًا من العكوف عليها، أَشارت إلى ما يلقاه الكافرون في الآخرة من عذاب، فقال تعالى: ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي: بالغ أقصى درجات القسوة والشدة لأَعداء الله، جزاءً وفاقًا؛ لانهماكهم في مفاتن الدنيا وملاهيها، واطمئنانهم إليها وفي الآخرة - أيضًا - مغفرة عظيمة ورضوان من الله أكبر لا يقدر كنههما ولا يقادر قدرهما للمؤمنين الصديقين الذين أخلصوا لله الإيمان، وداموا الصدق، وأحسنوا العمل فنالوا المغفرة والرضوان.
وفي مقابلة العذاب الشديد وحده بالمغفرة والرضوان إشارة كريمة إلى غلبة الرحمة، ومزيد الفضل، كما يشعر بذلك - أيضًا - إطلاق العذاب الشديد، وتقييد الرحمة، والرضوان بأنهما من الله - تعالى.
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ أي: وليست الحياة الدنيا - وإن طالت وتعددت نعمها - إلاَّ متاع الغرور لمن اغتر بها وانخدع، واطمأن إليها واشتغل بمفاتنها عن العمل لآخرته، روى عن سعيد بن جبير:"الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله - تعالى - وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة".
وقال ذو النون: يا معشر المريدين، لا تطلبوا الدنيا، وإن طلبتموها لا تحبوها فإن الزاد منها، والمقيل في غيرها.