للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: الذين يأخذون الربا ويتصرفون فيه: بأي وجه من وجوه التصرف: أكلاً أو غيره مثلهم - في جشعهم وحرصهم على تشمير أموالهم، وشدة تفكيرهم فيها وتحركهم في اكتسابها، والكَلَبِ عليها - كمثل الذي يتخبطه الشيطان، ويصرعه بسبب مَسِّهِ له، فهو دائم الحركة كالمسعور والمجنون.

وتأويل الآية بهذا الوجه، هو رأي ابن عطية. وعلى هذا النحو. يقول الناس فيمن يسرع بحركات مختلفة: فلان كالمجنون.

ويرى غير ابن عطية أن الآية على معنى: أن من يأكلون الربا لا يقومون من قبورهم -يوم القيامة- إلى كالمجانين الذين يتخبطهم الشيطان من المس. مُستدلين بنحو ما أخرجه الطبراني عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله : "إياك والذنوب التي لا تُغفَر: الغُلولَ .. فَمَن غلَّ شيئا أتَى به يوم القيامة، وأَكْلَ الربا، فمن أَكَلَ الربا بُعِثَ يوم القيامة مجنونا يتخبط" ثم قرأ الآية، قالوا: ولعل ذلك جعل علامة له يعرف بها في ذلك اليوم الرهيب.

وممن نسب إليه القول بذلك ابن عباس، وابن مسعود وقتادة، واختاره الزجاج.

ومس الشيطان الذي يحدث به التخبط يحتمل أن يكون الوسوسة الدائمة، فإنها تنتهي إلى الجنون، ومن إطلاقه على الوسوسة قوله تعالى: " … إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" (١) أو أن يكون ضربًا من اللقاء الجسدي بينه وبين من يمسه من الإنس، يحدث به الاختلاط والجنون، كما يقوله المعنيون بهذا الضرب من العلم.

والمعنى الأخير، هو المعروف عند العرب، ومن ذلك ما قالته قريش فيما عرضوه على النبي ليكف عن التعرض لآلهتهم وتسفيه أحلامهم "وإن كان الذي يأتيك رئيًّا أي -جنيًّا- قد غلب عليك، بَذَلنا أموالنا في طلب الطب لك، حتى نُبْرئَكَ أَو نُعْذَرَ فيك".

(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا):

الإشارة في (ذَلِكَ) راجعة إلى أكلهم الربا، يعني أنهم استحلوا الربا وأكلوا وانتفعوا به، بسبب أنهم جعلوه مثل البيع في الحل؛ لاتفاقها في المعارضة والزيادة من أحد الجانبين. فكما أنه يحل ببيع ما قيمته أربعة دراهم بخمسة، فكذلك يحل ببيع أربعة


(١) الأعراف: من الآية ٢٠١.