للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دراهم بخمسة، وقد أخطأوا في الحكم تبعًا لخطئهم في القياس، على ما سنبينه. وإنما قالوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) ولم يقولوا: إنما الربا مثل البيع، لإرادة المبالغة، كأنهم جعلوا الربا أَصْلا للحِل، وشبَّهُوا البيع به في الحكم كما في قول الشاعر:

ومَهمَه مُغبَّرةٍ أرجاؤه … كأن لونَ أَرضه سماؤه

(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا):

هذه جملة مستأنفة للرد عليهم، والمعنى: وأحل اللهُ البيع وحرم الربا بالنص، ولا يصح القياس مع وجود النص ممن له حق التشريع. وهو الله .

والفرق بينهما في الحكم، تابع للفرق بينهما في المقتضى للحكم، فإن من باع ثوبًا قيمته أربعة دراهم بخمسة، فقد جعل الثوب كله في مقابل هذه الخمسة، فلا شيءَ منه إلا وهو مقابل لجزءٍ من الدراهم الخمسة، أما من باع أربعة دراهم بخمسة، فقد أخذ الدرهم الزائد بغير عوض ولا يمكن جعل الإمهال في مقابلته، لأن الإمهال ليس بِمَال حتى يكون في مقابلة المال. فضلاً عن أن الربا يمنع أصحابه عن الاشتغال بالتجارة والصناعة ذات المنافع العامة، ويفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس، فتضيق الحياة عليهم. فلو أن اللهَ أحلَّه كالبيع، لاستَغَلَّ المرابي حاجةَ الناس، وأَكَلَ أموالهم بالباطل، وسدَّ عليهم أبواب الفرج والرحمة.

فلذا كان من رحمة الله بأصحاب الحاجات، أن حَرَّم الربا على أصحاب الأموال، حتى يسود التراحم بين الناس … وتلك سنة الإسلام في التشريع.

(فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ):

أي فمن بلغه موعظة وتذكير في شأن الربا من ربه ومالك أمره، فانتهى عنه، وامتنع من الاستمرار في التعامل به، فله ما تقدم من المال الربوي لا يُسْتَرَدُّ منه، ولا يُقْهرُ على رده.

وهذا مذهب الباقر وسعيد بن جبير، في فهم الآية.

وقال السدي وغيره، معناها: لا مؤَاخذة على ما أخذه (١)، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.

وقال القرطبي: هذا حكم من الله لمن أسلم من كفار قريش وثقيف، ومن كان يَتَّجِر هنالك.


(١) أي ما أخذه قبل أن يبلغه التحريم.