للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونقول: إن غيرهم ممن أسلم، وكان في كفره مرابيًا، له هذا الحكم أيضًا.

(وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ):

أي وأمر المنتهي عن الربا إلى الله تعالى: إن شاء ثبَّته على الانتهاء عن الربا لصدق نيته، وإن شاء خذله لعدم الجِدِّ في انتهائه وخور عزيمته.

ويجوز أن يكون المعنى: وأمره متجه إلى طاعة الله، كما تقول: وأمره في نُمُوٍّ وإقبال إلى الله وطاعته.

وأجاز بعضهم عود الضمير على الربا، أي وأمر الربا إلى الله تعالى في العفو عنه، وإسقاط التَّبِعَة عليه.

(وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ):

أي ومن عاد إلى الربا مستحلاً له، قائلاً: إن الربا مثل البيع في الحل، لأنه عَمَلٌ تجاري مثله، فأُولئك العائدون المستحلون أصحاب النار، الملازمون لها، هم فيها خالدون لا يخرجون منها أبدًا؛ لأن من استحل ما حرمه الله نَصًّا ومدلولاً. فهو كافر بالإجماع. والكافر خالد في النار أبدًا.

وإن جعلنا الآية في مسلم يقول بحرمة الربا، ولكنه يعصي ربه باستدامة التعامل به بعد التوبة -فالمراد بالخلود هنا: المكث الطويل، كما تقول العرب "خَلَّد اللهُ ملكك" أي أبقاك أمدًا طويلًا.

٢٧٦ - ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ … ﴾:

أراد الله أن يوقف سيل الطمع في نُمُوِّ المال عن طريق الربا، وأن يفتح القلوب على الصدقات، فبين عاقبة كليهما، فقال ما معناه: ينقص الله الربا، فَيُذهِب البركةَ من ماله في الدنيا وإن كان كثيرًا، ويجعل عاقبته في الآخرة خسرانًا وعقابًا، ويزيد الصدقات، وينميها في الدنيا بالبركة في مالها، وفي الآخرة بمضاعة الأجر عليها.

روى ابن مسعود أنه قال: "إنَّ الربا وإن كَثُرَ فعاقِبَتُهُ إلى قُلٍّ (١) ".

وروى البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :


(١) أخرجه أحمد، وابن جرير، والحاكم وصححه.