البيوت من خارجها بأَيدي المؤمنين الذين أرادوا اقتحامها عليهم ليزيلوا تحصنهم بها، وليتسع مجال المعركة أَمام المسلمين فيتسنى لهم الغلبة عليهم، واستئصال شأفتهم فلا تبقي لهم بالمدينة دار.
ومعنى تخربيهم لبيوتهم بأَيدي المؤمنين: أَنهم لما عرضوا أَنفسهم وديارهم بنكث العهد وكانوا السبب فيه فكأَنهم أمروا المسلمين به وكلفوهم إِياَّه، وبهذا الاعتبار عطفت بأَيدي المؤمنين على بأَيديهم (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) أَي: فتأَملوا يا أُولي العقول والأَلباب، واتعظوا بما جري عليهم من الأُمور الهائلة، واتقوا مباشرة ما أَوصلهم إِليه الكفر والعصيان واحذروه واعتمدوا على الله وحده حتى لا تُعاقَبوا بمثل عقابهم.
أَي: ولولا أَن كتب الله عليهم الإِخراج أو الخروج عن أَوطانهم على تلك الصورة الفظيعة (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا) بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة وجيء بقوله - تعالى - (وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) لبيان أَنهم إِن نجوا من عذاب الدنيا وهو القتل فلا نجاة لهم من عذاب الآخرة، وليس تمتعهم أَيامًا قلائل بالحياة، وتهوين أَمر الجلاء على أَنفسهم بنافع لهم، وفيه إِشارة إِلى أَن القتل أَشق من الجلاءِ لا لذاته، بل لأنهم يصلون عنده إلي عذاب النار.
وفرق بعضهم بين الجلاءِ والإِخراج بأَن الجلاءَ ما كان مع الأَهل والولد، والإِخراج قد يكون مع بقاءِ الأَهل والوالد. وقال الماوردي: الجلاءُ لا يكون إِلاَّ لجماعة، والإِخراج قد يكون لواحد ولجماعة.
الإِشارة في قوله (ذَلِكَ) تنبيء بأَن ما حاق بهم أَو ما سيحيق بسبب أَنهم عادوا الله ورسوله وخالفوهما وفعلوا من المحكي عنهم من القبائح والسيئات (وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ) الاقتصار على ذكر مشاقة الله لتضمنها لمشاقة الرسول ﵊ وليوافق قوله - تعالى -: (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ): أَي: يعاقبه؛ لأَنه - سبحانه - شديد العقاب