كأَنه قيل: ذلك الذي نزل بهم من العقاب أو سينزل بهم هو بسبب مشاقتهم الله تعالى ورسوله ﷺ وكل من يشاق الله - تعالى - كائنًا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد.
قال الحافظ بسنده عن جابر قال: رخص لهم في قطع النخل وشدد عليهم، فأَتوا النبي ﷺ فقال: يا رسول الله علينا إِثم فيما قطعنا أَو علينا وزر فيما تركنا؟ وكان بعضهم قد شرع أَثناءَ الحصار في قطع بعض النخيل إِغاظة لهم وإِرهابًا لقلوبهم فأَنزل الله تعالى الآية.
والمعنى: ما قطعتم أَي نخلة كما قال الحسن ومجاهد والراغب وجماعة، أَو أَي نخلة كريمة كما قال الثوري، كأَنها أُخذت من اللِّين، أَو تركتموها قائمة على أَصولها لم تتعرضوا لها بشيءٍ ما فذلك الذي فعلتموه من القطع أو الترك بأَمر الله - تعالى- الواصل إِليكم بواسطة رسول الله ﷺ أو بإِرادته - سبحانه - ومشيئته (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) أَي: وليعز المؤمنين، ويذل اليهود ويغيظهم؛ لأَنهم إِذا رأَوا المؤمنين يتحكمون في أَموالهم كما أرادوا، ويتصرفون فيها حسبما أحبوا من القطع أو الترك يزدادون غيظا، وكمدا، وحسرة، وندما، حيث إِن في القطع خزيا - بالغًا لذهابها بأَيدي أَعدائهم المسلمين وحسرة شديدة، وفي الإِبقاءِ حسرة أَشد، وخزيًا أَبلغ لكونها باقية في أَيدي أَعدائهم المسلمين يتمتعون بها وينعمون بثمرها قال بعضهم: هاتان الحسرتان تتحققان أَيضا كيفما كانت المقطوعة أَو المتروكة؛ لأَن النخل مطلقًا مما يعز على أَصحابه فلا تكاد تسمح أَنفسهم بتصرف أَعدائهم فيه حسبما شاءُوا، وعزته على صاحبه الغارس له أَعظم من عزته على صاحبه غير الغارس له، وقد سمعت بعض الغارسين يقول: السعفة عندي كإِصبع من أَصابع يدي، وتحقُّق الحسرة على الذهاب إِن كانت المقطوعة نخلة كريمة أَظهر.
واستدل بالآية على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم وإِحراق زروعهم زيادة لغيظهم ومضاعفة لحسرتهم.
ويرى الفقهاءُ في المسأَلة أَن القطع والتحريق أَولى إِن علم بقاؤها في أَيدي الكفار، وإِلا فالإِبقاءُ أَولى ما لم يتضمن ذلك مصلحة.