للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سبب النزول:

روى أن ثقيفًا لما طلبوا أموالهم من بني المغيرة، شكا بنو المغيرة العسرة. وقالوا: ليس لدينا مال ندفعه لكم، فأمهلونا إلى وقت طيب الثمار، فأبوا أن يمهلوهم، فنزلت الآية بوجوب إنظار المعسر.

المعنى: وإن كان ذو ضيق وعسر مالي مدينًا لكم، فيجب عليكم إنظاره وإمهاله إلى ميسرة بحقكم فلا تضيقوا عليه بالمطالبة في عسرته، وانتظروا وقت الفرج فطالبوه.

ما يستنبط من الأحكام:

استنبط العلماءُ من هذه الآية: وجوب إنظار المعسر حتى ييسر الله عليه، سواء أكان مدينًا في دين ربا أو غيره، لأن الآية برفع (ذُو عُسْرَةٍ) معناها: وإن وقع وحدث ذو عسرة من الناس أجمعين. ولو كان في الربا خاصة، لقيل في الآية: وإن كان ذا عسرَةَ بالنصب، إذ يكون المعنى حينئذ، وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة. وبهذا الرأي أخذ عطاءٌ والضحاك، والربيع بن خيثم، والحسن، وابن عباس في رواية عنه.

وقيل: لا يجب إنظار المعسر إلا في دين الربا خاصة، واستدلوا بقراءة النصب؛ (وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ) وحملوا عليها قراءة الرفع، وتقدير الكلام على هذا الوجه في قراءة الرفع: وإن كان ذو عسرة مدينًا لكم يا أصحاب الربا. وفي قراءة النصب: وإن كان المدين لكم أيها المرابون ذا عسرة فأمهلوه إلى ميسرة: وعلى هذا الرأي شريح وإبراهيم النخعي، وابن عباس في رواية أخرى عنه، ومما احتجوا به قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" (١).

ويقول أصحاب هذا الرأي: إن المدين في غير دين الربا، لا يقبل منه القول بالإعسار بل يحبس حتى يؤَديَ ما عليه، قال ابن عطية: ومحل هذا: إذا لم يكن فقر مدقع. وأما مع العُدْم والفقر الصريح، فالحكم هو النَّظِرَةُ ضرورة (٢).


(١) النساء من الآية: ٥٨.
(٢) أي فالحكم هو الإمهال بحكم الضرورة، أي أنه واجب لعدم الاستطاعة.