للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والراجح أن لا يحبس المعسر، لما رواه أهل الحديث واللفظ لمسلم، عن أبي سعيد الخدري: أنه قال: "أُصيب رجلٌ في عهد رسول الله في ثمار ابتاعها، فكثر دينه فقال رسول الله : "تصدقوا عليه". فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاءَ دينِه، فقال رسول الله لغرمائه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك".

وعند أبي داود: "فلم يزد رسول الله غرماءَه على أن خلع لهم ماله". أي أعطاهم ما عنده.

فقد دل هذا الحديث على أن الرسول لم يأمر بحبس هذا المدين المعسر، وهو معاذ بن جبل، كما قال شريح، إذ الحبس لا فائدة منه للدائن، كما لم يأمره أن يكتسب ليسد دينه.

ومن لم يتبين عسره وشُك في يسره، يحبسه القاضي حتى يتبين عُدمه وفقره، قال بذلك: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، فإن صح عسرهُ، فلا يحبس.

وقد استفيد من هذا الحديث: أن من كثرت ديونه وطلب غرماؤُه مالهم، فللحاكم أن يخلعه من كل ماله، ولكن يترك له ما كان ضروريًا له، روى نافع عن مالك: أنه لا يترك له إلا ما يواريه.

والمشهور -كما قال القرطبي- أن يترك له كسوته المعتادة، ما لم يكن له فيها فضل، ولا ينزع عنه رِدَاؤُه إن كان ذلك مُزْرِيًا به، ولا يترك له مسكن ولا خادم، ولا ثوب جمعة، ما لم تقل قيمتها، وعند هذا يحرم حبسه (١).

(وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ):

المعنى: وأن تتصدقوا على المعسر بكل مالكم عليه أو يبغضه، خير وأكثر ثوابًا لكم من إنظاره، إن كنتم تعلمون ذلك فافعلوه، فإن المعسر بحاجة إلى البر والمعونة أكثر من الإمهال، ليسد عوزه ويطعم أهله من جوع، ويكسوهم من عُرْي.

وفي قوله تعالى: (إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) حض لهم على الصدقة بعظم أثرها.


(١) (قرطبي جـ ٣ ص ١١٨٠ طبع بمطبعة الشعب) في شرح قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة).