(ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ): أَي: ذلك الحكم السابق والتشريع الرباني العادل في صلح الحديبية واستثناء النساء منه والأَمر بما سبق ذكره هو حكم الله يفصل به بينكم ويحكم به بين خلقه.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أَي: والله عليم بمصالح عباده حكيم في تشريعة يشرع ما تقتضيه الحكمة، روي أَنه لمَا نزل هذا الحكم أدى المؤمنون ما أُمِروُا به من مهور المهاجرات إِلي أزواجهن وأَبي المشركون أَن يردُّوا شيئا من مُهور الكَوافر إِلي أَزواجهن المؤمنين فنزل قوله تعالى:
(وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ): أَي: وإِن لحق أَحد من أَزواجكم بالكفار أَو فاتكم شيء من مهورهن ولزمكم أَداءُ المهر كما لزم الكفار.
(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا): أَي: فآتوا الذين ذهبت زوجاتهم مثل ما أَنفقوا عليهن من صداق وهذا على أَن معنى (فَعَاقَبْتُمْ) من العقبة لا من العقاب (وهي في الأَصل: التوبة في ركوب أَحد الرفيقين على دابة لهما والآخرة بعده): أَي: فجاءَت عقبتكم أَي: نوبتكم من أَداءِ المهر.
وجمل الآية على هذا المعنى يوافق ما روي عن الزهري أَنه قال: يُعْطَى من لحقت زوجته بالكفار من صداق من لحق بالمسلمين من زوجاتهم!
وعن الزجاج أَن معنى (فَعَاقَبْتُمْ): فغنمتم، وحقيقته: فأَصبتم في القتال بعقوبة حتى غنمتم فكأَنه قيل: وإِن فاتكم شيءٌ من أَزواجكم إِلي الكفار ولم يؤدُّوا إِليكم مهورهن فغتمتم منهم فآتوا الذين ذهبت أَزواجهم مثل ما أَنفقوا من الغنيمة.
وهذا هو الوجه دون ما سبق، ولقد كان ﷺ كما روي عن ابن عباس - يعطي المهر الذي ذهبت زوجته من الغنيمة (قبل أَن تُخمَّس) وَلا ينقص من حقه شيئا، (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) فإِن الإِيمان به ﷿ يقتضي تقواه والعمل بأَحكامه، والتزام شريعته.