المراد بيوم الجمع يوم القيامة، وهو ظرف والعامل فيه قوله (لَتُنَبَّؤُنَّ) أَي: والله لتنبؤن وتخبرن بما عملتم يوم يجمع الله فيه الأَولين والآخرين؛ ليحاسب كلًّا على ما قدم من خير أَو شر (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) أَي يوم القيامة هو يوم التغابن على الحقيقة؛ لأَنه لا يستدرك أَبدًا أَما تغابن الدنيا فهو زائل وإِن جل وعظم، وتغابن السعداء يوم القيامة على الزيادة في الإِحسان وتغابن الكفار يظهر بترك الإِيمان قال النبي ﷺ:"ما من أَحد يموت إِلا ندم، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إِن كان محسنًا ندم أَن لا يكون ازداد، وإِن كان مسيئا ندم أَن لا يكون نزع" رواه الترمذي عن أَبي هريرة (١).
وقيل التغابن ليس على الحقيقة؛ أَخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أَنهم قالوا يوم غبن فيه أَهلُ الجنة أَهلَ النار فالتفاعل فيه ليس على ظاهره كما في التواضع والتحامل لوقوعه من جانب واحد اختير للمبالغة وهو أَمر واضح إِذ ليس هناك غبن ولا بخس ولا نقص من جانب أَهل النار لأَهل الجنة، وقال بعضهم: يوم غبن فيه بعض الناس بعضًا بنزول السعداءِ منازل الأَشقياءِ لو كانوا سعداء وبالعكس ففي الصحيح عن رسول الله ﷺ(ما من عبد يدخل الجنة إِلا أُري مقعده من النار لو أَساءَ ليزداد شكرًا وما من عبد يدخل الناَر إِلا أُري مقعدة من الجنة لو أَحسن ليزداد حسرة) وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة إِذا غلب ونقص بعضهم بعضًا، وفيه تهكم بالأَشقياءِ لأَنهم لا يغلبون ولا يغبنون السعداء بنزولهم منازل الأَشقياء في النار (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا وعد من الله لمن يؤمن به - سبحانه - وتنطق جوارحهم بالعمل الصالح والكلم الطيب بأن الله يغفر ذنوبهم ويمحو زلاتهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأَنهار مخلدين
(١) أخرجه الترمذي المجلد الرابع ص ٢٩، ٣٠ أبواب الزهد عن أبي هريرة وقال: هذا حديث إِنما نعرفه من هذا الوجه.