للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا الدائن يطمئن لكتابة المدين. وقد أُمر الكاتب أن يحقق المقصود من كونه بينهما، بأن يكتب بالْعَدْلِ، فلا يميل إلى أحدهما فيما يكتبه، بل يكون بينهما قَوامًا.

وإذا علقنا الباء في قوله: (بِالْعَدْلِ) بقوله: (فَلْيَكْتُبْ) صح أن يكتب الوثيقة صَبِيٌّ أو عبد أو متحوط غير عادل إذا أقام فقهها وضبطها نحو العدل الإلهي.

وبذلك أخذ بعض الفقهاء.

أما الإمام مالك، فقد جعل (بِالْعَدْلِ) متعلقًا بكاتب. ولذلك اشترط في كاتب الوثائق أن يكون عادلًا، عارفًا بها دارسًا لأساليبها، إذ قال : "لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها، عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى: (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) نقله القرطبي. وقال الآلوسي: "ومن لم يكتب كذلك يجب على الإمام، أو نائبه منعه؛ لئلا يقع الفساد، أو يكثر النزاع".

(وَلَا يَابَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ):

المعنى: ولا يمتنع كاتب من أن يكتب للناس وثائقهم وعقودهم لأجل تعليم الله له وتميزه بالكتابة، فإنَّ تفضُّل الله عليه بعلم الكتابة، يبعثه ويدعوه إلى أن يتفضل بها على الناس؛ ليؤَديَ حق الله عليه، على حد قوله تعالى: "وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ" (١) أي لأجل إحسان الله إليك وذلك حسب القاعدة التي قررها قوله تعالى "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" (٢).

ويصح أن يكون المعنى: ولا يمتنع كاتب أن يكتب بالعدل، كما علمه الله بقوله: (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) والكاف على هذا بمعنى مثل، نعت لمصدر مقدر. والتقدير: أن يكتب كَتْبًا مثل الذي علمه الله إياه.

(فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ):

لم يكتف الله بنهي الكاتب العدل الفقيه عن الامتناع عن الكتابة، بل أمره بها أمرًا صريحًا، بقوله تعالى: (فَلْيَكْتُبْ) وذلك مؤذن بأن كتابته للوثائق حق عليه للمجتمع، لا يحق له أن يتخلى عنها، ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلى أنها من فروض الكفايات (٣). إن وجد عدد من الكتاب، وإلا فهي فرض عين عليه، وقد أعطى الله الحق في إملاء الكاتب


(١) القصص: من الآية ٧٧.
(٢) الرحمن: الآية ٦٠.
(٣) وهي التي يسقط فيها الطلب إن أداها بعض من وجبت عليهم.