وقال الجمهور: كتابة الدَّيْن ليست واجبة، بل مندوبة.
وقد صَرَف الأَمرَ هنا عن الوجوب: أن الله أجاز لصاحب المال أن يهب ماله، فإذا كان ذلك جائزًا له، فإنه يجوز له أن يترك الكتابة ائتمانًا للمدين، ولا يعتبر آثمًا في ذلك. ولهذا قال الله تعالى:
وسواءٌ قلنا بالوجوب أو الندب فكتابة الدَّيْن من باب الحزم؛ خوفًا من حدوث إنكار من المدين. وحاجة الدائن إلى ماله تمنعه من التنازل عن دينه عند الجحود.
(وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ):
بعد أن أمر الله سبحانه بكتابة الدَّيْن منعًا للجحود، عَيَّن هنا من يتولى الكتابة، إذ طلب من المتداينين أن يتولاها بينهم كاتب عدل، متمسك بالدِّين، فقيه، حتى يكون ما يكتبه جاريًا على مقتضى الشريعة والعدل، فإِنَّ غير الفقيه لا يستطيع أن يقيم العدل الشرعي بينهما.
وقد أفاد الأمر في قوله تعالى:(فَلْيَكْتُبْ) وجوب الكتابة على من يُدْعَى لها من الكُتاب، كما قاله عطاءُ وغيره.
وقال السدي بوجوبها عليه مع الفراغ لها، وقيل بوجوبها إذا لم يوجد غيره. وبه قال الحسن.
واستبعد القرطبي أن يكون الأمر بالكتابة للوجوب على الكاتب، وقال: لو كانت الكتابة واجبة لما صح الاستئجار بها، لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة، ولم يختلف العلماءُ في جواز أخذ الأُجرة على كَتْب الوثيقة. والصحيح أنه أمر إرشاد فلا يكتب حتى يأخذَ حقَّه. اهـ.
والتعبير بقوله:(بَيْنَكُمْ) بدل (أحدكم) للإيذان بأنه ينبغي أن يكون الكاتب غير المتعاقدين، ليكون عدلا بينهما، وشاهدًا عليهما، فإن المدين لا يطمئن لكتابة الدائن،