والضعيف لا يقدر على الإملاء؛ لكونه صبيًا، أو شيخًا خرفًا، أو مريضًا، ومن لا يستطيع الإملاء نحو الأخرس. فهؤلاء أربعة أصناف: لا يملي على الكاتب سوى أولهم.
أما الباقون، فيملي على الكاتب، عنهم أولياؤهم بالعدل.
والمقصود بالولي: من يتولى أُموره، وإن لم يكن وليه الشرعي. فيدخل فيه: القيم، والوكيل، والمترجم.
والمرادُ من عدالة الولي في الإملاء: أن لا يزيد ولا ينقص عن الحق شيئًا.
واستُدِلّ بوصف العدالة في الولي - على أنه لا يصح أن يكون ذميًا ولا فاسقًا؛ لأنه لا عدالة فيهما. كما استدل بالآية. على أن إقرار الولي العادل على يتيمه، صحيح.
(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ):
لم يكتف الله تعالى في توثيق الدين بكتابته، بل أمر المسلمين أن يطلبوا -من رجالهم المؤمنين- شهيدين يَشهدان على ما يجري عند التعاقد؛ تثبيتًا للحق ومنعًا لإنكاره أو سوء تأويل النص.
وعبر عن الشاهدين بصيغة المبالغة (شَهِيدَيْنِ) للإشارة إلى أنه ينبغي طلب من تكررت منه الشهادة، فهو عالم بمنزلتها، دقيق في أدائها، قادر على القيام بها. كما أن فيه رَمْزًا إلى عدالتهما، لأنهما لا تتكرر شهادتهما عند الحكام، إلا إذا كانا مقبولين عندهم. كما أنه لم يقل: رجلين، بل قال:(مِن رِّجَالِكُمْ) للإيذان بأن الشاهدين من رجال المؤمنين المعروفين بالكمال والعدل.
وفي إضافة الرجال إلى ضمير المؤمنين المخاطبين، دلالة على اشتراط الإسلام والبلوغ، مع الذكورة في الشهود، وكذا الحرية، لأن المقصود من الرجال: الكاملون في التصرف.
ويدل لذلك، قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ). وساق الخطاب إلى قوله (مِن رِّجَالِكُمْ) فظاهر الخطاب يتناول الذين يتداينون، والعبيد لا يملكون التداين بدون إذن السادة. وهذا هو رأي الجمهور.