وقال شريح، وعثمان العُتْبي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: شهادة العبد جائزة، إذا كان مسلمًا عادلًا. وأجازها الشعبي، والنخعي في الشيء اليسير، ورأي الجمهور هو الصحيح، كما قاله القرطبي؛ لما ذكرناه. ولم تتعرض الآية لشهادة الكفار بعضهم على بعض. وأجازه -قياسًا- الإمامُ أبو حنيفة، وإن اختلفت مللهم. واستدل بعض العلماء بعموم (رجَالِكُمْ) على قبول شهادة الأعمى، بشرط أن يعلم - يقينًا - ما يشهد عليه.
فقد سُئل رسول الله ﷺ عن الشهادة، فقال:"ترى هذه الشمس .. فاشهد على مثلها أَوْ دَعْ".
ومنهم من قبل شهادته على الصوت إذا تحقق منه، وبذلك أفتى مالك.
قال ابن القاسم: قلت لمالك: فالرجل يسمع جاره من وراء الحائظ ولا يراه، يسمعه يطلق امرأته فيشهد عليه وقد عرف صوته؟ قال مالك: شهادته جائزة.
أي فإن لم يشهد رجلان، لعذر أو لعدم الرغبة فيهما، فليشهد رجل وامرأتان. وشهادتهما مع الرجل تصح -عند الشافعية- في الأموال الخاصة. وعند الحنفية، فيما عدا الحدود والقصاص.
وقال مالك: لا تجوز شهادة أولئك -أي الرجل مع المرأتين- في الحدود، ولا القصاص، ولا الولاء، ولا الإحصان. وتجوز في الوكالة والوصية، إذا لم يكن فيها عتق وسائر شئون الأموال.
قال القرطبي: قال مالك في الموطإ: وإنما يكون ذلك في الأموال الخاصة.
واعلم أن الآية نصت على جواز قبول شهادة المرأتين مع الرجل في الدين خاصة، وذلك موضع اتفاق بين العلماء، ولا يشمل ذلك الشهادة على دين المهر، والصلح على دم العمد. فالشهادة عليهما، ليست شهادة على دين، بل على نكاح في الأولى، وعلى دم في الثانية، والنساء لا يشهدن في ذلك.
وأجاز العلماء شهادة النساء منفردات فيما لا يطلع عليه غيرهن، للضرورة: كالشهادة في الولادة والبكارة، وحياة الصبي عند الولادة. وما يجري مجرى ذلك، مما بُيِّن في كتب الفقه.