ذكر القرطبي أَن سعيد بن جبير قال في تفسير قوله تعالى:(وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ): كانوا يسمعون (حي على الفلاح) فلا يجيبون، وقال كعب الأَحبار: والله ما نزلت هذه الآية إِلا في الذين يتخلفون عن الجماعات، وكان الربيع بن خيثم قد فُلِج وكان يُهَادَى بين الرجلين إِلى المسجد فقيل: يا أَبا يزيد لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة فقال: من سمع حَيّ على الفلاح فليُجب ولو حَبْوًا - ومعنى يُهَادَى - أَي: يمشي بينهما معتمدًا عليهما لضعفه.
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) أَي: إِذا كان حالهم ما سمعت فَكِل من يُكَذِّب بالقرآن إِليَّ فأَنا أَكْفِيكَه، قال الزمخشري: فكأَنه يقول: حسبك إِيقاعًا به وعقابا له أَنْ تكل أَمره إِليَّ وتُخَلِّي بيني وبينه فأَنا عالم بما يجب أَن يْفْعَل به مُطِيق له وقادر عليه.
وذلك تسلية للرسول وتهديد للمكذبين (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ): استئناف مسوق لبيان كيفية العقاب والتعذيب، أَي: سنستنزلهم إِلى العذاب درجة فدرجة بالإِمهال وإِدامة الصحة وازدياد النعمة. (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أَي: من الجهة التي لا يشعرون أَنَّ ذلك الإِنعام عليهم استدراج بل يزعمون أَن ذلك إِيثار لهم وتفضيل على المؤمنين مع أَنه سبب هلاكهم.
(وَأُمْلِي لَهُمْ): وأُمْهلهم بتأخير العذاب وأَمنحهم كثيرًا من النعم ليزدادوا إِثما وهم يحسبون أَن ذلك لإِرادة الخير بهم. (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) إِن تدبيري وعذابي لقويٌّ شديد لا يُدْفع بشيءٍ فلا يفوتني أَحد ولا يعجزني، وسمّى إِحسانه وتمكينه وإِمهاله لهم كيدا كما سمَّاه استدراجًا فيما سبق لكونه في صورة الكيد والاستدراج؛ حيث كان ذلك سببًا لتورطهم في الهلاك والوقوع فيه، والله سبحانه يفعل بهم ما هو نفع لهم ظاهرًا وهو ضرر لهم في الحقيقة لِمَا عَلِم من خُبْث نِيَّتهم وفساد طبيعتهم وتَمَاديِهِم في الكفر والعصيان، ووصف كيده بالمتانة لقوة أَثره في التَّسبُّب للهلاك.