أَنه من الناجين الفائزين بالنعيم، لأَن اليمين عند العرب من دلائل الفرح، والمراد بالكتاب هنا: ما كتبته الملائكة وسطرته على العبد من الأَعمال خيرها وشرها، أَي فيقول كل واحد من هؤُلاءِ السعداءِ لغيره أَو لأَهل قرابته - سرورا بنجاته -: (هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) أَي: خذوا كتابي هذا فاقرءُوه حتى ينالكم ما نالني من السرور والفرح؛ ليكمل أُنسي ويزداد ابتهاجي وحبوري.
أي: إِني كنت في دنيادي أَعمل الخير وأُحسن القصد وأُتقن العمل وأَرجو منه - سبحانه - أَن يجعل عملي خالصا لوجهه غير مدخول برياءٍ أو سمعة، وإِني ظننت في الدنيا أَن ربي - جل شأَنه - سيحاسبني يوم القيامة حسابا يسيرا، وقد حاسبني ﵎ كما ظننت؛ فالله جلت قدرته - عند ظن عبده به، وقيل: المراد بالظن هنا اليقين والعلم وذلك بناءً على أَن الظاهر من حال المؤْمن تيقن أمور الآخرة، ولكن لمّا كان فيها من التفاوت كسهولة الحساب وشدته - مثلا - عبر عن العلم بالظن للإِشعار والإِشارة إِلى ذلك.
٢١ - ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١)﴾:
أَي: إِن هذا الفريق صاحب اليمين في عيشة وحياة قد رضي بها تمام الرضا واطمأن إِليها كمال الاطمئنان؛ وذلك لدوامها وعظمها وخلوصها من الشوائب والأَكدار حتى كأَن تلك العيشة نفسها راضية، وفي الصحيح عن رسول الله ﷺ:"أَنَّهمْ يعِيشون فَلَا يمُوتون أَبدا. ويصِحُّون فَلا يمْرضون أَبدًا، وينْعمون فلَا يرَوْن بؤْسًا أَبدًا، ويشِبُّون فَلَا يَهْرمُونَ أَبَدًا".
٢٢ - ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢)﴾:
أَي: يعيش هذا الفريق تلك العيشة الراضية ويحيا هذه الحياة الهانئة في جنة رفيعة القدر عظيمة المنزلة، وهي - كما جاءَ في تفسير ابن كثير - رفيعة قصورها، حسان حورها، نعيمة دورها، دائم حبورها. هذا والجنة في ذاتها عالية فهي فوق السموات غير أَن منازل بعضهم فيها فوق منازل الآخرين، وذلك لتفاوت درجات أَهلها.