أَي: ثمارها قريبة التناول يدركها ويأُخذها القائم والجالس والمضطجع، أَو سهلة التناول أَخرج عبد بن حميد عن قتادة أَنه قال: دنت فلا يرد أَيديهم عنه بعدٌ ولا شوك:
يقال لهم ذلك من قبل الله تعظيما لشأنهم وإِدخالا للسرور في قلوبهم، أَي: كلوا أَكلا سائغا لذيذا بلا عناءٍ ولا مشقة، واشربوا شربا رويًّا لا ظمأَ بعده، ولا يعقب هذا الأَكل والشرب شائبة من تنغيص أَو ضرر، وذلك بسبب ما قدمتم من الأَعمال الصالحة في أَيامكم التي خلت ومضت وهي أَيام الدنيا، وهذا الجزاءُ جاءَ منه - سبحانه - تفضلا عليهم وإِكراما لهم، وإِحسانا إِليهم، فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أَنه قال:"اعملوا وسدِّدوا وقارِبُوا واعلموا أَن أَحدًا منكم لن يدخلَ بعمله الجنة" قالوا: ولا أَنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أَنا إِلاَّ أَن يتغمدَني الله برحمةٍ منه وفضل"، وقيل المراد من الأَيام الخالية هي أَيام الصيام التي تقلصت فيها شفاههم وغارت أَعينهم وخمصت وجاعت بطونهم من ترك الطعام والشراب امتثالا لأَمر ربهم وابتغاءً لوجهه - سبحانه - فعوضهم عما فاتهم في صومهم.
ولما بين الله حال أَصحاب اليمين وما نالوه من سعادة أَبدية في الدار الآخرة أَردفه وأَعقبه ذكر أَصحاب الشمال وما يقاسونه من ضروب الخزي وأَلوان العذاب وصنوفه، فقال:
أَي: أَن هذا الصنف الذي يعطى كتابه بشماله - وهو أَمارة النحس وشؤم الطالع - يقول - وقد ملأَته الحسرة وجلَّله الخزي والذل -: يا ليتني لم أُعط كتابي وصحيفة أَعمالي التي تذكرني بقبائح أَفعالي، إِنه من شدة خجله وفرط هوانه يتمنى لو عُذِّب بالنار دون أَن يعرض عليه كتابه حتى لا يناله ذلك العذاب الروحاني الذي هو أَشق وأَشد من العذاب الجسماني.