قيل: إِن رسول الله ﷺ خرج من المسجد ذات يوم فاستقبله أَبو جهل على باب المسجد مما يلي بني مخزوم فأَخذ رسول الله بيده فهزه مرة ومرتين ثم قال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)، فقال أَبو جهل: أَتهددني؟ فوالله إِني لأَعز أَهل الوادي وأَكرمه فنزل على رسول الله كما قال لأَبي جهل، وهي كلمة وعيد.
٣٦ - (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى):
أَي: أَيظن الإِنسان أَن يترك مهملًا فلا يكلف ولا يبعث، قال ابن كثير: والظاهر أَن الآية تعم الحالين، أَي لا يترك في هذه الدنيا مهملًا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث، بل هو مأْمور منهي في الدنيا محشور إِلى الله في الآخرة، والمقصود هنا إِثبات المعاد والرد على من أَنكره من أَهل الزيغ والجهل والعناد، والاستفهام إِنكاري، وكان تكريره بعد قوله تعالى:(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) لتكريرهم إِنكار الحشر مع تضمن الكلام الدلالة على وقوعه، حيث إِن الحكمة تقتضي الأَمر بالمحاسن والنهي عن القبائح والرذائل، والتكليف لا يتحقق إِلاَّ بمجازاة، وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة، وجعل بعضهم هذا استدلالًا عقليًّا على وقوع الحشر.
٣٧ - (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى):
استئناف وارد لإِيطال الحسبان المذكور في الآية السابقة فإِن مداره: لما كان استبعادهم للإِعادة والبعث دفع ذلك ورد عليه ببدءِ الخلق وكيفية النشأَة الأُولى فقال: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) أَي: أَلم يك الإِنسان ناشئًا من قطرة ماءٍ مهين يمنى ويراق ويصب في الأَرحام فالاستفهام للتقرير.
٣٨ - (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى):
أَي: ثم صار المني علقة وهي قطعة من دم ثم مضغة وهي قطعة من لحم ثم شكله الله ونفخ فيه الروح وعدله وكمله فصار خلقًا آخر سويًّا سليم الأَعضاءِ في أَحسن تقويم بإِذن الله وتقديره.