عليه الحساب والعقاب فهو عام مخصوص (أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) أَي: حفظناه وضبطناه بإِحصائنا له إِحصاءً تامًا، وقد جعل قوله:(كِتَابًا) مصدرًا مؤكدًا لأَحصينا، لأَن الكتابة والإِحصاءِ يتشاركان في معنى الضبط، وأَصل الإِحصاء: من لفظ (الحصا) وكانوا يعتمدون عليها في العد ضبطًا قويًّا تامًّا.
ويجوز أَن يكون المراد: وكل شيءٍ أَحصيناه مكتوبًا في اللوح المحفوظ، أَو في صحف الحفظة، والظاهر أَن الكلام على حقيقته، والكتابة هنا على النحو الذي يليق بتنزيه الله تعالى، وهو أَعلى من كتابتنا التي نعرفها، وأَشد ضبطا، وقال بعضهم: إِنه تمثيل لصورة ضبط الأَشياءِ في علمه تعالى بضبط المحصى المجد المتْقن للضبط بالكتابة، وهذا التمثيل لتفهيمنا، وإِلا فالانضباط في علمه تعالى أَجل وأَعلي من أَن يمثل بشيءٍ. والجملة اعتراض لتأكيد الوعيد السابق الذي بدئ به بقوله تعالى:(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) لبيان أَن ذلك كان لا محالة لأَن معاصيهم مضبوطة مكتوبة يواجهون بها يوم الجزاءِ.
ذلك مسبب عن كفرهم بالحساب والجزاء، وتكذيبهم الآيات. روى قتادة عن أَبي أَيوب الأَزدي عن عبد الله بن عمر أَنه قال: لم ينزل على أَهل النار آية أَشد من هذه، فهم في مزيد من العذاب أَبدًا، وأَخرج عبد بن حميد، وجماعة عن الحسن أَنه قال: سأَلت أَبا برزة الأَسلمي عن أَشد آية في كتاب الله تعالى: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا) ووجه الأَشدية على ما قبل: إِنه تقريع في يوم الجزاء، وغضب من أَرحم الراحمين، وتأْييس لهم.
واستشكل أَمر زيادة العذاب بمنافاتها كون الجزاء موافقًا للأَعمال كما في قوله تعالى:(جَزَآءً وِفَاقًا) وأَجيب بأَن العذاب لما كان للكفر والمعاصي، وهي متزايدة في القبح في كل آن، وعلم الله لسوء استعدادهم استمرارهم على ذلك، اقتضى حالهم زيادة العذاب وشدته يومًا فيومًا وقيل: لما كان كفرهم أَعظم كفر، اقتضى أَشد عذاب، والعذاب المزيد يومًا فيومًا من أَشد العذاب، وقيل غير ذلك.