يحتمل أن يكون الكلام قد تمَّ، عند قوله تعالى:(وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) وابتداء كلامًا جديدًا بقوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) والمعنى عليه: أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله. أما الراسخون في العلم، فلا يزيغون كما زاغ أهل الفتنة، بل يقولون آمنا بالمتشابه، فكل من المتشابه والمحكم صادر من عند ربنا، فهم بذلك يمسكون عن تأويله، مفوضين العلم بمعناه إلى من أنزله - سبحانه - ويحتمل أن يكون:(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) معطوفًا على لفظ الجلالة في قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) والمعنى عليه: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم أيضًا. فهم يعلمون تأويله برده إلى المحكم الذي هو أُمُّ للمتشابه.
ومع حسن تأويلهم له طبقًا للمحكم فهم يقولون: آمنا به: كل - من المتشابه ومن المحكم - من عند ربنا.
ويشهد لصحة هذا الرأي أمران:
أحدهما أن الله - تعالى - ما أنزل القرآن إلا لِيُعْمَلَ به. فلا ينبغي أن يكون فيه ألغاز ومعميات لا يمكن فهمها وإدراكها. فمتشابهه يجب أن يرد إلى محكمه .. كما قال الله في الآيات المحكمات:(هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ): أي مرجعه عند الاشتباه.
وثانيهما: في أن الله تعالى أثنى على الراسخين بقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) ففي وصفهم بأنهم أصحاب العقول الخالصة المتذكرة، دليل على أنهم استعملوها في كشف المتشابهات والتذكر بها.
والراسخون في العلم: هم الثابتون في العلم الشرعي، الذين استناروا بمشكاة الكتاب والسنة، ومنّ الله عليهم بالفقه في الدين.
روى الشيخان وأحمد عن النبي ﷺ"مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرا يفقهه في الدين".