عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ أَنه قال في ذلك:"من شهد أَن لا إِله إِلا الله، وخلع الأَنداد، وشهد أَني رسول الله". واعتبر بعضهم في التزكي أَمرين، فقال: أَي تطهر من الشرك والمعصية.
وقيل:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أَي: تكثَّر من التقوى والخشية، من الزكاء: وهو النماءُ، وقيل: تطهر للصلاة، وقيل: أَتى الزكاة، وروى هذا عن جماعة منهم أَبو الأَحوص وقتادة.
(وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أَي: ذكر اسمه تعالى بلسانه وقلبه لا بلسانه مع غفلة القلب، وقيل: المراد بهذا الذكر تكبيرة الإِحرام (فَصَلَّى) أَي: الصلوات الخمس كما أَخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس، وقيل: الصلوات الخمس وما تيسر من النوافل، وإِنما اقتصر على ذكر الصلاة، لأَن الفرائض والواجبات الدينية لم تكن تامة يوم نزول السورة وكانت الصلاة أَهم ما نزل -إِن كان نزل غيرها- كذا قيل وعن على - كرم الله وجهه- (تَزَكَّى): تصدق صدقة الفطر (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ): كبَّر يوم العيد فصلى العيد، وقال أَبو الأَحوص: إِذا أَتى أَحدهم سائل وهو يريد الصلاة فليقدم بين يدي صلاته زكاة. فإن الله يقول:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).
الخطاب لكفار مكة، كأَنه قيل لهم: أَنتم الأَشقياءُ لا تفعلون ذلك من التطهر من الشرك وذكر اسم الله تعالى، بل تفضلون الحياة الفانية وترضون بها وتطمئنون إِليها، وتعرضون عن الآخرة إِعراضًا كليًا كما في قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا"(١) ويحتمل أَن يكون الخطاب لجميع الناس، والمراد بإيثارها ما هو أَعم مما ذكر، ومما لا يخلو عنه الناس غالبًا من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة في السعي والإِقبال عليها، وعن ابن مسعود ما يؤيد ذلك، والالتفات من الغيبة حسبما يقتضيه السياق -إِلى الخطاب لتشديد التوبيخ للأَشقياءِ الذين وبخوا فيما سبق بقوله