- تعالى -: (وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى) على أَن الخطاب خاص بهم، أَما إِذا أُريد بالخطاب ما يعم ويشمل الكفار والمسلمين، فيكون في حق الكفار لتشديد التوبيخ كما سبق، وفي حق المسلمين لتشديد العقاب.
(وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أَي: تؤْثرون الدنيا على الآخرة والحال أن الآخرة خير في نفسها، فتعيمها مع كونه في غاية اللذة وأَنه خالص عن شائبة ما يكدر صفوه، أَبَديٌّ لا انصرام له، والدنيا مع ذلك فانية لا بقاءَ لها، فكيف يؤْثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبًا، ويترك الاهتمام بدار البقاءِ والخلد؟! قال ابن جرير في روايته عن ابن مسعود أَنه استقرئ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) فلما بلغ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ترك القراءَة، وأَقبل على أَصحابه فقال: آثرنا الدنيا على الآخرة؟! فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا رأَينا زينتها، ونساءَها، وطعامها، وشرابها، وزُويت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل. وقال الإِمام أحمد بسنده عن أَبي موسى الأَشعري: إِن رسول الله ﷺ قال: "مَنْ أَحب دنياه، أَضَرَّ بآخرتهِ، ومَن أَحبَّ آخرتَه أَضَرَّ بدنياه، فآثِروا ما يَبْقَى على ما يَفْنَى".