بدئت الآية بكلمة (كَلاَّ) لوعيد ذلك الناهي -وهو أَبو جهل- وزجره حيث إِنه سبحانه له بالرصاد، كما قال تعالى:"لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ" أَي: والله لئن لم ينته عمَّا هو عليه بتركه والابتعاد عنه (لَنَسْفَعًا بالنَّاصِيَةِ) أَي: لنأْخذن بناصيته ولَنَسْحَبَنَّهُ بها إِلى النار، لنذلنه بذلك الإِذلال الشديد. يقال: سفعت بالشيءٍ: إِذا قبضت عليه وجذبته بشدة، والمراد بالناصية: شعر مقدم الرأْس، وقيل: المراد لنسحبنه على وجهه في الدنيا يوم بدر، وفيه بشارة بأَنه تعالى يمكِّن المسلمين من ناصيته حتى يجروه إِن لم ينته، وقد فعل ﷿
(نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) بدل من الناصية، أَي: هي ناصية وصفت بالكذب وبتعمد الخطإِ على الإِسناد المجازي، وهما لصاحبها حقيقة، وذلك يفيد المبالغة، حيث يدل على وصفه بذلك بطريق الأولى، ويفيد أَنه لشدة كذبه وخطئه، كأَنَّ كل جزء من أَجزائه يكذب ويخطي، وفي هذا الإِسناد من الحسن والجزالة ما ليس في قولك: ناصيةُ كاذب خاطئ.
هذا إِشارة إِلى ما صح من أَن أَبا جهل مر برسول الله ﷺ وهو يصلِّي فقال: أَلم أَنهك، فأَغلظ ﵊ له. فقال: أَتهددني، وأَنا أَكثر أَهل الوادي ناديًا، فنزل (فَلْيَدْعُ نَادِيَه) فالأَمر للتعجيز، إِشارة إِلى أَنه لا يقدر على ذلك، ولا يستطيعه، أَي: فليدع أَهله وعشيرته لنصرته في إِيذاء الرسول ﷺ ومنعه من الصلاة في المسجد إِن قدروا على ذلك، والنادي وكذلك الندي: المكان الذي ينتدى فيه القوم، أَي يجتمعون للحديث، والإِسناد مجازي
(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) أَي: ملائكة العذاب، وهم غلاظ شداد، ليجروه إلى النار، ويلقوه فيها، والزنانية في الأَصل عند العرب: الشُّرَط، واحدها: شَرْطي،