واذأ تإملنا سبب النزول الأول، عرفنا الرباط القوى بين الكلام السابق في الآيات الماضية، عن تردد المنافقين وحيرتهم وكفرهم القلبى، وبين هذه الآية والتي تليها، أمَّا ما توسط بين قصة المنافقين الماضية وبين هاتين الآيتين: ﴿إنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِى … ﴾ إلخ … فهو مرتبط بقصتهم، فقد اشتمل على دعوتهم- ومن على شاكلتهم من الكافرين- إلى الإيمان الصادق بربهم، وبيان مقتضيات ربوبيته، كما اشتمل على بيان إعجاز القرآن الذي يدعوهم إلى ذلك، الأمر الذي يشهد بكونه من عند الله، ويستدعي إيمانهم به، كما تضمن الأثر المترتب على الكفر من الخلود في النار، والاثر المترتب على الإيمان من الخلود فى الجنة.
وحقيقة الاستحياء مستحيلة على الة تعالى لأنه: انقباض النفس عن القبح، مخافة الذم ومعناه: وسط بين الجرأة على فعل القبيح من غير مبالاة، وبين الخجل وهو: إبعاد النفس عن الفعل مطلقا، وهذا من صفة الحوادث.
وكل ما ورد من هذا القبيل في الكتاب والسنة، إِنما يراد منه لازمه اللائق بالله تعالى: وهو الترك والامتناع.
ومعنى الآية: أن الله لا يمتنع من أن يضرب الأمثال، كيفما كانت ﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ أي فوقها في الحجم كالذباب والعنكبوت وغيرهما، أو في المعنى، وإِن دق الممثَّل به
وصغر عن البعوض فإن في ضرب المثل ابرازا للمعقول في صورة المشاهد المحس؛ ليساعد
على الفهم.
وقد شاعت الأمثال في الكتب الإلهيه، وعبارات الحكماء والبلغاء لذلك، فيمثل الحقير بالحقير، كما يمثل العظيم بالعظيم. ولا يقدح هذا التمثيل في عظمة من قاله.
والقرآن الكريم. لم ينفرد بذكر أمثال هذه الحشرات. فقد ورد ذكرها في العهد القديم