للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أكثر من مرة. ومن ذلك ما جاءَ فى سفر يشوع إصحاح ٢٤ الفقرة ١٢ - "وأُرسلت قدامكم

الزنابير وطردتهم من أمامكم"- وتكرر ذلك في سفر الخروج ٢٣ - ١٨ وسفر التثنية ٧ - ٣٠.

ومن كلام العرب: "أَسْمَعُ من قُرادٍ، وأَطيَش من فَراشَةٍ". ولا شك أَن قدرة الله تتجلى في الذرة كما تتجلى في المجرة.

وقد روعى في التعبير بكلمة: بعوضة، المبالغة في الرد على ما نطقوا به في معارضتهم؛ إذ المذكور في تمثيل القرآن. هو الذباب لا البعوض، والبعوض أصغر من الذباب.

ثم بين الله حال المؤمنين والكافرين- إزاء هذا التمثيل- فقال جل شأنه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾.

﴿الحَقٌ﴾: الأمر الثابت الذي لا يسوغ إنْكارُهُ، أي: فأَما المؤْمنون، فيعلمون أن المثل هو الأمر الثابت ﴿مِن رَّبِّهِمْ﴾ الذي يضرب الأمثالَ بم ليعينهم على فهم المعافى الصحيحة.

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾:

كان الظاهر أن يقال: وأما الذين كفروا فلا يعلمون أنه الحق من ربهمِ، ليطابق

مقابله، وهو قوله سابقا: ﴿فَيَعْلَمُونَ﴾ الخ … ولكن عدل عنه إلى: ﴿فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ لحكاية ما قالوا، وهو مستلزم لجهلهم وعدم علمهم، وذلك أَبلغ؛ لأن قولهم هذا، كالبرهان على كمال جهلهم؛ ففيه نفى العلم مع إثبات دليله.

والإشارة في قولهم: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ لتحقير المشار إليه الذي ضربه الله مثلا، وليس غرضهم بما قالوا الاستفهام عن الحكمة في ضرب الله الأمثال، بنحو العنكبوت والذباب والبغوض، بل غرضهم الأيذان بأَنها -من اللإناءة والحقارة- بحيث لا يليق أن يريد الله شيئًا من التمثيل بها. لهذا يستحيل صدور التمثيل بها عن الله تعالى ﴿ … كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (١).

لهذا رد عليهم بقوله: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ أي يضل بهذا المثل كثيرًا من الناس مثلهم، ممن ساء اختيارهم وأظلمت قلوبهم، ويهدى به كثيرًا منهم، ممن حسن اختيارهم واستنارت قلوبهم.

فلا مانع من أَن يضربه مثلا ويريد ما يترتب على ضربه من الآثار، وهو التفكر والاهتداء، لقوله تعالى: ﴿ … وَتِلْكَ الأمثاَلُ نَضْربُهاَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُنم يَتَفَكَّرُون﴾ (٢)


(١) الكهف من الآية: ٥
(٢) الحشر من الآية: ٢١