قال صاحب التأْويلات: اختلفوا في تأْويله على وجوه، لكن كلها ترجع إلى معنى واحد وهو الإشارة إلى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم، واختار غير واحد أن المراد بالفراش المبثوت: الحشرة الصغيرة التي تراها تترامى على ضوء السراج ليلًا، وبها يضرب المثل في الجهل بالعاقبة شُبَّهُوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجيء والذهابِ على غير نظام والتَّطايُرِ إلى الداعي من كل جهة حين يُدْعَوْن إلى المحشر -شبهوا- بالفراش المتفرق المتطاير.
أي: إنّ الجبال -وهي الثقيلة والقوية والتماسك- تصير في ذلك اليوم خفيفة هشة كالصوف الذي نُفِش ففرقت شعراته بعضها عن بعض حتى صار على حال يطير مع أَضعف ريح، وإذا كان هذا هو حال ما يحصل لبعض الأَجسام العظيمة التي من طبيعتها الاستقرار والثبات لفخامتها وثقلها، فما بالك بما يحدث للإنسان، وهو المخلوق الضعيف؟!
وفي هذا تحذير للإنسان وتخويف له كما ترى، وبعد أن ذكر أَوصاف ذلك اليوم وبما يكون من أحوال بعض الخلائق فيه، أعقب ذلك بذكر الجزاءِ على الأعمال فقال:
٦ - (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ):
هذا بيان لتحزُّب الناس وانقسامهم حزبين، وتنبيه على كيفية الأَحوال الخاصة بكل منها إشارة إِلى وزن الأعمال، وهو ممَّا يجب الإيمان به، ويكون هذا بعد تطاير الصحف وأَخذها بالأَيمان والشمائل، (وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي) وتوزن الأَعمال بميزان الله أعلم بماهيته وبكيفية الوزن، قال القرطبي، لا يكون الميزان في حق كل أَحد؛ لما في الحديث الصحيح الذي جاءَ فيه:"فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ"، وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أَعمالهم وإِنما يصب لهم الأَجر صبًّا، وأَنكر المعتزلة الوزن حقيقة، وكذلك أنكره جماعة من أهل السنة منهم مجاهد والضحاك والأعمش، وقالوا: إن الوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل.