والثاني في النشور، فلا تكرار، فالتراخي على ظاهره، وقال الضَّحاك: الزجر الأَول للكافرين والثاني للمؤْمنين، ثم كرّر التنبيه أيضًا فقال:
٥ - (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ):
أي: ارتدعوا عن تغريركم بأَنفسكم فإنكم لو تعلمون يقينًا سوءَ مصيركم وعاقبة أمركم وما يُفْضِي إليه حالكم لفزعتم من تكاثركم وَلَشَغَلَكم هذا عن افتخاركم بأموالكم وأولادكم، وتزودتم بالعمل الصالح لآخرتكم ومآلكم.
وإنما ذكر - سبحانه تعالى - هذا زيادة في زجرهم لتغريريهم بأَنفسهم، وخداعهم لها فقد جرت عادة الغافلين أنهم يدعون اليقظة والمعرفة إذا ذكِّروا بغفلتهم، ثم ذكر لهم بعض ما يفضي إليه هذا اللهو وهو عذاب الآخرة بعد خزي الدنيا فقال:
٦ - (لَتَرَوْنَّ الْجَحِيمَ):
أي: أُقسم لكم وأُؤَكد -أيها الناس- أنكم ستشاهدون النار الموقدة، وهي دار العذاب التي أُعدت لمن يلهو وينصرف عن الحق، والجملة جواب قسم مضمر، أَكد به الوعيد وشدد به التهديد، وأَوضح به ما أُنذروا به بعد إبهامه تفيخمًا لشأْنه، وإعظامًا لقدره، وما هددوا به سابقًا هو قوله تعالى:(كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فتوعدهم بهذه الحال وهي رؤْية النار التي إذا زفرت زفرة واحدة خَر كل رسول مقرب وكل ولي عابد على ركبتيه من المهابة والمعاينة؛ لرؤْية ما فيها من الأَهوال على ما جاءَت به الآثار، فاجعلوا صورة عذابها حاضرة في أذهانكم.
وقيل: المراد برؤية الجحيم ذوق عذابها، وهذا استعمال شائع في الكتاب الكريم، ثم كرر ذلك للتأكيد فقال:
٧ - (ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ):
أي: ثم أقسم وأُؤكد أنكم ستشاهدونها عيانًا ويقينًا قال الآلوسي: أي الرؤْية التي هي نفس اليقين، فإن الانكشاف بالرؤية والمشاهدة فوق سائر الانكشافات، فهو أَحق