أن النبي ﷺ قال:"هَلْ تَدْرُونَ مَا الكَوْثَرُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:"هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللهِ فِي الجَنَّةِ". وعن ابن عباس أَنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال سعيد بن جبير: إن ناسًا يقولون: هو نهر في الجنة، فقال: هو من الخير الكثير. والحق ما قال ابن عباس؛ لأَنه يشمل كل ما جاءَ من روايات وأَقوال بلغت أَكثر من ستة وعشرين قولًا، وكلها ترجع إلى ما ذكر في تفسيره بالخير الكثير، وكأن ما جاء في الروايات أَمثلة لهذا الخير الكثير، كقولهم: المراد بهم النبوة، أو القرآن، وقيل: أولاده، وقيل: علماءُ أُمته، قال الآلوسي: وفي التعبير بالماضي في (أَعْطَيْنَاكَ) قيل: إشارة إلى تحقيق الوقوع، وقيل: إشارة إلى تعظيم الإعطاءِ وأنه أَمر مرعى لم يترك إلى أن يُفعل بعد، وقيل: إشارة إلى بشارة أُخرى، كأنه قيل: إنا هيأْنا لك أَسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أَمرك بعد وجودك وانشغالك بالعبودية؟!
٢ - (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ):
الفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها (فَصَلِّ) قيل: المراد بالصلاة التي أُمر بها في الآية جنس الصلاة، وقيل: الصلاة المفروضة، وقيل: صلاة العيد بناءً على قول من قال: إن السورة مدنية، وكذلك قوله:(وَانْحَر) قيل: المراد بالنحر نحر البُدْنِ للأُضحية، وقيل: وانحر، أي: استقبل القبلة بنحرك، وإليه ذهب الفراءُ، وقيل: اجعل صلاتك لله لا لغيره، واجعل ذبحك باسم الله لا باسم غيره كما يفعل المشركون .. وقيل غير ذلك.
قال الزمخشري: والمعنى: أعطيتك ما لا غاية لكثرته من خير الدارين الذي لم يُعْطَه أَحَدٌ غيرك، فاجتمعت لك الفضيلتان: إصابة أَشرف عطاءٍ وأوفره من أَكرم مُعْطٍ وأعظم مُنْعِم، فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه وشرفك وصانك وجعلك أشرف قومك الذين يعبدون غير الله، وانحر لوجهه واسمه إذا نحرت، فخالفهم في النحر فإنهم يقدمونه للأوثان، وبعد أَن بَشَّر الله رسوله بأَعظم البشارة، وطالبه بشكره على ذلك، وكان من تمام نعمته على نبيه أن يصبح عدوه مقهورًا ذليلًا، قال: