وتعليمه ما تقدم: صالح لأن يكون موهبة إلهية، وأن يكون بمعلم.
روى أنه لما ترعرع أسلمته أُمه إلى المعلم. ولكن لا ندري ماذا علمه المعلم. ولعله علمه ما تضمنته الآية من الكتابة والتوراة. أما الإنجيل، فقد أنزله الله عليه.
٤٩ - ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ … ﴾ الآية.
أي: ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل، يخبرهم: أني قد جئتكم ببرهان من ربكم على نبوتي. هو أني أُنشيء لكم من الطين تمثالا كهيئة الطيب وشكله، فأنفخ فيه فيكون بعد النفخ طيرا بأمر الله الذي جعل ذلك معجزة وبرهانا على أنه أرسلني إليكم. فإن مثل ذلك لا يقدر عليه البشر، لأنه مما اختص الله به، فإذا أمكن الله بعض عباده من ذلك، فذلك يعتبر تأييدا من الله له في دعوى الرسالة.
والتعبير بقوله: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) للإيذان بخصوص بعثته إليهم.
أما الرسالة العام، فهي لمحمد ﷺ: لا يشركه فيها أحد سواه.
قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا … " (١).
وقد انقسمت بنو إسرائيل فيه إلى فرقتين: فرقة ترميه بأفحش ما رمت به أُمة نبيَّها، وهم الأكثرون من اليهود. وأُخرى تصدقه في مواعظه وإرشاداته. وتقول: إنه لم يخالف التوراة، بل قررها ودعا الناس إليها، وإنه من المستجيبين لموسى ﵇، ومن بني إسرائيل فرقة أخرى تسمي الأتقياء ينفون رسالته ونبوته، ويقولون: إن سائر اليهود ظلموه: حيث كذبوه أولا، ولم يعرفوا مدعاه. وقتلوه آخرا ولم يعرفوا مرماه ومغزاه.
وهذه الفرقة تسمى: العنانية. أصحاب عنان بن داود رأس الجالوت.
ذكر ذلك الآلوسي ناقلا عن بعض المصادر المشهورة ولم يسمه.
(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ):
وأشفي الأكمه الذي ولدته أُمه أعمى، فيصير بصيرا. وأشفي مَنْ بجلده برص. وهو بياض يخالف لون سائر الجلد. وهاتان العلتان أعجزتا الأطباءَ. ولهذا أراهم الله المعجزة على يد عيسى من جنس الطب. كما أرى قوم موسى المعجزة بالعصا واليد البيضاء، حيث كان
(١) سبأ: ٢٨.